الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1756 [ 1294 ] وعن أنس بن مالك قال: افتتحنا مكة ، ثم إنا غزونا حنينا . قال : فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت. قال: فصفت الخيل، ثم صفت المقاتلة، ثم صفت النساء من وراء ذلك، ثم صفت الغنم، ثم صفت النعم. قال: ونحن بشر كثير. قد بلغنا ستة آلاف، وعلى مجنبة خيلنا خالد بن الوليد قال: فجعلت خيلنا تلوذ خلف ظهورنا ، فلم نلبث أن انكشفت خيلنا وفرت الأعراب ، ومن نعلم من الناس. قال: فنادى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- "يا للمهاجرين يا للمهاجرين" ثم قال: "يا للأنصار يا للأنصار" قال أنس: هذا حديث عميه قال: قلنا: لبيك يا رسول الله ، قال: فتقدم رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: "فايم الله وما أتيناهم حتى هزمهم الله، فقبضنا ذلك المال، ثم انطلقنا إلى الطائف فحاصرناهم أربعين ليلة، ثم رجعنا إلى مكة فنزلنا. قال: فجعل رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يعطي الرجل المائة . وذكر الحديث نحو ما تقدم .

                                                                                              وفي رواية : ومع النبي -صلى الله عليه وسلم- يومئذ عشرة آلاف، ومعه الطلقاء فأدبروا عنه حتى بقي وحده. قال: فنادى يومئذ نداءين لم يخلط بينهما شيئا قال: فالتفت عن يمينه فقال: يا معشر الأنصار ! فقالوا: لبيك يا رسول الله! أبشر نحن معك . قال: ثم التفت عن يساره فقال: "يا معشر الأنصار!" فقالوا: لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك . قال: وهو على بغلة بيضاء . فنزل فقال: "أنا عبد الله ورسوله" فانهزم المشركون، وأصاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم- غنائم كثيرة ، فقسم في المهاجرين، والطلقاء، ولم يعط الأنصار شيئا .

                                                                                              فقالت الأنصار : ما ذكرناه في باب إعطاء المؤلفة قلوبهم من كتاب الزكاة.

                                                                                              رواه أحمد ( 3 \ 279 - 280)، والبخاري (4337)، ومسلم (1059) في الزكاة (135 و 136).

                                                                                              [ ص: 622 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 622 ] وقوله : ( ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف ) ; هذا من أنس تقدير لا تحقيق ، إن لم يكن غلطا من بعض الرواة . وأصح من هذه الرواية الرواية الأخرى التي فيها : أنهم كانوا عشرة آلاف غير الطلقاء . وسموا بذلك ; لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أطلقهم عند فتح مكة ، وهم غير العتقاء . والعتقاء : هم السبعون أو الثمانون الذين راموا أن يغدروا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وبعسكره يوم الحديبية فأخذوا ، وأعتقوا ، فسموا : العتقاء بذلك . قاله أبو عمر بن عبد البر .

                                                                                              وقول أنس بن مالك : ( هذا حديث عميه ) ; يعني : عمي ، وزاد هاء السكت [ ص: 623 ] التي تثبت في الوقــف . يعني بذلك : أن نداء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (يال المهاجرين) إنما رواه عن عمه .

                                                                                              وقوله : (فايم الله ما أتيناهم حتى هزمهم الله) ; يعني بذلك : أنه ما رجع أول المنهزمة حتى هزم الله العدو على أيدي المتسارعين إلى النداء من المهاجرين والأنصار الذين قاتلوا بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين تطاول عليهم وقال : (الآن حمي الوطيس) ، وبعد أن رمى الحصا في وجوههم ، وقال : (شاهت الوجوه) ; كما تقدم .

                                                                                              وقوله في الرواية الأخرى : ( فأدبروا عنه حتى بقي وحده ) ; يعني به : المقاتلين ، وإلا فقد ثبت أنه كان بقي معه العباس وأبو سفيان .

                                                                                              وقوله : ( فنادى يومئذ نداءين ) ; هذان النداءان من النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما كان بعد [ ص: 624 ] أن رجع إليه المهاجرون والأنصار بنداء العباس حين نادى : يا أصحاب السمرة ; كما تقدم . وقد تقدم في كتاب الزكاة الكلام على باقي ما في هذا الحديث .




                                                                                              الخدمات العلمية