الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ( 41 ) )

قال أبو جعفر : واختلف أهل التأويل في معنى "الخفة" و"الثقل" ، اللذين أمر الله من كان به أحدهما بالنفر معه .

فقال بعضهم : معنى "الخفة" ، التي عناها الله في هذا الموضع ، الشباب ومعنى "الثقل" ، الشيخوخة .

ذكر من قال ذلك :

16734 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن رجل ، عن الحسن في قوله : ( انفروا خفافا وثقالا ) ، قال : شيبا وشبانا .

16735 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا حفص ، عن عمرو ، عن الحسن قال : شيوخا وشبانا .

16736 - . . . . . . قال : حدثنا ابن عيينة ، عن علي بن زيد ، عن أنس ، عن أبي طلحة : ( انفروا خفافا وثقالا ) ، قال : كهولا وشبانا ، ما أسمع الله عذر واحدا!! فخرج إلى الشأم ، فجاهد حتى مات . [ ص: 263 ]

16737 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن المغيرة بن النعمان قال : كان رجل من النخع ، وكان شيخا بادنا ، فأراد الغزو ، فمنعه سعد بن أبي وقاص فقال : إن الله يقول : ( انفروا خفافا وثقالا ) ، فأذن له سعد ، فقتل الشيخ ، فسأل عنه بعد عمر ، فقال : ما فعل الشيخ الذي كأنه من بني هاشم؟ فقالوا : قتل يا أمير المؤمنين!

16738 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح قال : الشاب والشيخ .

16739 - . . . . . . قال : حدثنا أبو أسامة ، عن مالك بن مغول ، عن إسماعيل ، عن عكرمة ، قال : الشاب والشيخ .

16740 - . . . . . . قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : كهولا وشبانا .

16741 - . . . . . . قال : حدثنا حبويه أبو يزيد ، عن يعقوب القمي ، عن جعفر بن حميد ، عن بشر بن عطية : كهولا وشبانا [ ص: 264 ]

16742 - حدثنا الوليد قال : حدثنا علي بن سهل قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن بكير بن معروف ، عن مقاتل بن حيان ، في قوله : ( انفروا خفافا وثقالا ) ، قال : شبانا وكهولا .

16743 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( انفروا خفافا وثقالا ) ، قال : شبابا وشيوخا ، وأغنياء ومساكين .

16744 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : قال الحسن : شيوخا وشبانا .

16745 - حدثني سعيد بن عمرو قال : حدثنا بقية قال : حدثنا حريز قال : حدثني حبان بن زيد الشرعبي قال : نفرنا مع صفوان بن عمرو ، وكان واليا على حمص قبل الأفسوس ، إلى الجراجمة ، فلقيت شيخا كبيرا هما ، قد سقط حاجباه على عينيه ، من أهل دمشق ، على راحلته ، فيمن أغار ، فأقبلت عليه فقلت : يا عم ، لقد أعذر الله إليك! قال : فرفع حاجبيه ، فقال : يا ابن [ ص: 265 ] أخي استنفرنا الله خفافا وثقالا ، من يحبه الله يبتليه ، ثم يعيده فيبتليه ، إنما يبتلي الله من عباده من شكر وصبر وذكر ولم يعبد إلا الله .

16746 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا إسماعيل ، عن أبي صالح : ( انفروا خفافا وثقالا ) ، قال : كل شيخ وشاب .

وقال آخرون : معنى ذلك : مشاغيل وغير مشاغيل .

ذكر من قال ذلك :

16747 - حدثنا ابن بشار وابن وكيع قالا : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن الحكم في قوله : ( انفروا خفافا وثقالا ) ، قال : مشاغيل وغير مشاغيل .

وقال آخرون : معناه : انفروا أغنياء وفقراء .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 266 ]

16748 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عمن ذكره ، عن أبي صالح : ( انفروا خفافا وثقالا ) ، قال : أغنياء وفقراء .

وقال آخرون : معناه : نشاطا وغير نشاط .

ذكر من قال ذلك :

16749 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( انفروا خفافا وثقالا ) ، يقول : انفروا نشاطا وغير نشاط .

16750 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر عن قتادة : ( خفافا وثقالا ) ، قال : نشاطا وغير نشاط .

وقال آخرون : معناه : ركبانا ومشاة .

ذكر من قال ذلك :

16751 - حدثنا علي بن سهل قال : حدثنا الوليد قال : قال أبو عمرو : إذا كان النفر إلى دروب الشأم ، نفر الناس إليها "خفافا" ، ركبانا ، وإذا كان النفر إلى هذه السواحل ، نفروا إليها " خفافا وثقالا " ، ركبانا ومشاة .

وقال آخرون : معنى ذلك : ذا ضيعة ، وغير ذي ضيعة .

ذكر من قال ذلك :

16752 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( انفروا خفافا وثقالا ) ، قال : "الثقيل" ، الذي له الضيعة ، فهو ثقيل يكره أن يضيع ضيعته ويخرج و"الخفيف" الذي لا ضيعة له ، فقال الله : ( انفروا خفافا وثقالا ) .

16753 - حدثنا ابن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه قال : [ ص: 267 ] زعم حضرمي أنه ذكر له أن ناسا كانوا عسى أن يكون أحدهم عليلا أو كبيرا فيقول : إن أجتنبه إباء ، فإني آثم! فأنزل الله : ( انفروا خفافا وثقالا ) .

16754 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا أيوب ، عن محمد قال : شهد أبو أيوب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا ، ثم لم يتخلف عن غزاة للمسلمين إلا وهو في أخرى ، إلا عاما واحدا . وكان أيوب يقول : ( انفروا خفافا وثقالا ) ، فلا أجدني إلا خفيفا أو ثقيلا .

16755 - حدثنا علي بن سهل قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثنا حريز بن عثمان ، عن راشد بن سعد ، عمن رأى المقداد بن الأسود فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص ، وقد فضل عنها من عظمه ، فقلت له : لقد أعذر الله إليك! فقال : أبت علينا "سورة البعوث" ، ( انفروا خفافا وثقالا ) . [ ص: 268 ]

16756 - حدثنا سعيد بن عمرو السكوني قال : حدثنا بقية بن الوليد قال : حدثنا حريز قال : حدثني عبد الرحمن بن ميسرة قال : حدثني أبو راشد الحبراني قال : وافيت المقداد بن الأسود فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص ، قد فضل عنها من عظمه ، يريد الغزو ، فقلت له : لقد أعذر الله إليك! فقال : أبت علينا "سورة البحوث" : ( انفروا خفافا وثقالا ) . [ ص: 269 ]

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره أمر المؤمنين بالنفر لجهاد أعدائه في سبيله ، خفافا وثقالا . وقد يدخل في "الخفاف" كل من كان سهلا عليه النفر لقوة بدنه على ذلك ، وصحة جسمه وشبابه ، ومن كان ذا يسر بمال وفراغ من الاشتغال ، وقادرا على الظهر والركاب .

ويدخل في "الثقال" ، كل من كان بخلاف ذلك ، من ضعيف الجسم وعليله وسقيمه ، ومن معسر من المال ، ومشتغل بضيعة ومعاش ، ومن كان لا ظهر له ولا ركاب ، والشيخ ذو السن والعيال .

فإذ كان قد يدخل في "الخفاف" و"الثقال" من وصفنا من أهل الصفات التي ذكرنا ، ولم يكن الله - جل ثناؤه - خص من ذلك صنفا دون صنف في الكتاب ، ولا على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا نصب على خصوصه دليلا وجب أن يقال : إن الله - جل ثناؤه - أمر المؤمنين من أصحاب رسوله بالنفر للجهاد في سبيله خفافا وثقالا مع رسوله صلى الله عليه وسلم ، على كل حال من أحوال الخفة والثقل .

16757 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا إسرائيل ، عن سعيد بن مسروق ، عن مسلم بن صبيح قال : أول ما نزل من "براءة" : ( انفروا خفافا وثقالا ) . [ ص: 270 ]

16758 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي الضحى ، مثله .

16759 - حدثنا الحارث قال : حدثنا القاسم قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : إن أول ما نزل من "براءة" : ( لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ) ، قال : يعرفهم نصره ، ويوطنهم لغزوة تبوك .

التالي السابق


الخدمات العلمية