الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 545 ] آقوش بن عبد الله الأمير الكبير جمال الدين النجيبي أبو سعيد الصالحي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أعتقه الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل ، وجعله من أكابر الأمراء ، وولاه أستاذداريته ، وكان يثق إليه ويعتمد عليه ، وكان مولده في سنة تسع أو عشر وستمائة ، وولاه الملك الظاهر أيضا أستاذداريته ، ثم استنابه بالشام تسع سنين ، فاتخذ فيها المدرسة النجيبية ، ووقف عليها أوقافا دارة واسعة ، لكن لم يقرر للمستحقين قدرا يناسب ما وقفه عليهم ، ثم عزله السلطان واستدعاه لمصر ، فأقام بها مدة بطالا ، ثم مرض بالفالج أربع سنين ، وقد عاده في بعضها الملك الظاهر ، ولم يزل به حتى كانت وفاته ليلة الجمعة خامس شهر ربيع الآخر بالقاهرة بداره بدرب ملوخيا ، ودفن يوم الجمعة قبل الصلاة بتربته التي أنشأها بالقرافة الصغرى ، وقد كان بنى لنفسه تربة بالنجيبية وفتح لها شباكين إلى الطريق ، فلم يقدر دفنه بها . وكان كثير الصدقة ، محبا للعلماء ، محسنا إليهم ، حسن الاعتقاد ، شافعي المذهب ، متغاليا في السنة ، ومحبة الصحابة ، وبغض الروافض ، ومن جملة أوقافه الحسان البستان والأراضي التي أوقفها على الجسورة التي قبلي جامع كريم الدين اليوم ، وعلى ذلك أوقاف كثيرة ، وجعل النظر في أوقافه لابن خلكان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أيدكين بن عبد الله الأمير الكبير علاء الدين الشهابي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      واقف الخانقاه الشهابية داخل باب الفرج ، كان من كبار الأمراء بدمشق ، وقد ولاه الظاهر بحلب مدة ، وكان من خيار الأمراء وشجعانهم ، وله حسن ظن بالفقراء [ ص: 546 ] والإحسان إليهم ، ودفن بتربة الشيخ عثمان الرومي بسفح قاسيون ، في خامس عشر ربيع الأول ، وهو في عشر الخمسين ، وخانقاته داخل باب الفرج ، وكان لها شباك إلى الطريق . والشهابي نسبة إلى الطواشي شهاب الدين رشيد الكبير الصالحي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قاضي القضاة صدر الدين سليمان بن أبي العز وهيب أبو الربيع الحنفي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      شيخ الحنفية في زمانه ، وعالمهم شرقا وغربا ، أقام بدمشق مدة يفتي ويدرس ، ثم انتقل إلى الديار المصرية يدرس بالصالحية ، ثم عاد إلى دمشق ، فدرس بالظاهرية وولي القضاء بعد مجد الدين بن العديم ثلاثة أشهر ، ثم كانت وفاته ليلة الجمعة سادس شعبان ، ودفن من الغد بعد الصلاة بداره بسفح قاسيون ، وله ثلاث وثمانون سنة ، ومن لطيف شعره في مملوك تزوج جارية للملك المعظم :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا صاحبي قفا لي وانظرا عجبا أتى به الدهر فينا من عجائبه     البدر أصبح فوق الشمس منزلة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما العلو عليها من مراتبه     أضحى يماثلها حسنا وصار لها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كفوا وسار إليها في مواكبه     فأشكل الفرق لولا وشي نمنمة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بصدغه واخضرار فوق شاربه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      طه بن إبراهيم بن أبي بكر كمال الدين الهذباني الإربلي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان أديبا [ ص: 547 ] فاضلا شاعرا ، له قدرة في تصنيف دوبيت ، وقد أقام بالقاهرة حتى توفي بها في جمادى الأولى من هذه السنة ، وقد اجتمع مرة بالملك الصالح أيوب ، فجعل يتكلم في علم النجوم ، فأنشده على البديهة هذين البيتين :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      دع النجوم لطرقي يعيش بها     وبالعزيمة فانهض أيها الملك
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إن النبي وأصحاب النبي نهوا     عن النجوم وقد أبصرت ما ملكوا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكتب إلى صاحب له اسمه شمس الدين يستزيره بعد رمد أصابه فبرأ منه :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يقول لي الكحال عينك قد هدت     فلا تشغلن قلبا عليها وطب نفسا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولي مدة يا شمس لم أركم بها     وآية برء العين أن تبصر الشمسا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن الحسن بن عثمان جمال الدين بن الشيخ نجم الدين الباذرائي البغدادي ثم الدمشقي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      درس بمدرسة أبيه من بعده حتى حين وفاته يوم الأربعاء سادس رجب ، ودفن بسفح قاسيون ، وكان رئيسا حسن الأخلاق ، جاوز خمسين سنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قاضي القضاة مجد الدين عبد الرحمن بن كمال الدين عمر بن أحمد [ ص: 548 ] بن العديم الحلبي ثم الدمشقي الحنفي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولي قضاء الحنفية بعد ابن عطاء بدمشق ، وكان رئيسا ابن رئيس ، له إحسان وكرم أخلاق ، وقد ولي الخطابة بجامع القاهرة الكبير ، وهو أول حنفي وليه ، توفي بجوسقه بدمشق في ربيع الآخر من هذه السنة ، ودفن بالتربة التي أنشأها عند زاوية الحريري على الشرف القبلي غربي الزيتون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الوزير ابن الحنا : علي بن محمد بن سليم بن عبد الله الصاحب بهاء الدين أبو الحسن بن الحنا الوزير المصري

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وزير الملك الظاهر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وولده السعيد إلى أن توفي في سلخ ذي القعدة ، وهو جد جد ، وكان ذا رأي وعزم وتدبير ، ذا تمكن في الدولة الظاهرية لا تمضي الأمور إلا عن رأيه وأمره ، وله مكارم على الأمراء وغيرهم ، وقد امتدحه الشعراء ، وكان ابنه تاج الدين وزير الصحبة ، وقد صودر في الدولة السعيدية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ محمد ابن الظهير اللغوي : محمد بن أحمد بن عمر بن أحمد بن أبي شاكر مجد الدين أبو عبد الله الإربلي الحنفي المعروف بابن الظهير

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولد بإربل سنة ثنتين وستمائة ، ثم أقام بدمشق ودرس بالقيمازية ، وأقام بها حتى توفي بها ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر ، ودفن بمقابر الصوفية ، وكان بارعا في النحو واللغة ، وكانت له يد طولى في النظم ، وله ديوان مشهور وشعر [ ص: 549 ] رائق ، فمن شعره قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كل حي إلى الممات مآبه     ومدى عمره سريع ذهابه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم من قبره سيحشر فردا     واقفا وحده يوفى حسابه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      معه سائق له وشهيد     وعلى الحرص ويحه إكبابه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يخرب الدار وهي دار بقاء     ثم يبني ما عما قريب خرابه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عجبا وهو في التراب غريق     كيف يلهيه طيبه وعلابه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كل يوم يزيد نقصا وإن عم     ر حلت أوصاله أوصابه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والورى في مراحل الدهر ركب     دائم السير لا يرجى إيابه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فتزود إن التقى خير زاد     ونصيب اللبيب منه لبابه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأخو العقل من يقضي بصدق     شيبه في صلاحه وشبابه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأخو الجهل يستلذ هوى النف     س فيغدو شهدا لديه مصابه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهي طويلة جدا قريبة من مائة وخمسين بيتا ، وقد أورد الشيخ قطب الدين شيئا كثيرا من شعره الحسن الفائق الرائق .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن إسرائيل الحريري ، محمد بن سوار بن إسرائيل بن الخضر بن إسرائيل بن الحسن بن علي بن محمد بن الحسين نجم الدين أبو المعالي الشيباني الدمشقي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولد في يوم ضحى يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول سنة ثلاث [ ص: 550 ] وستمائة ، وصحب الشيخ علي بن أبي الحسن بن منصور البسري الحريري ، في سنة ثمان عشرة ، وكان قد لبس الخرقة قبله من الشيخ شهاب الدين السهروردي ، وزعم أنه أجلسه في ثلاث خلوات ، وكان ابن إسرائيل يزعم أن أهله قدموا الشام مع خالد بن الوليد ، فاستوطنوا دمشق ، وكان أديبا فاضلا في صناعة الشعر بارعا في النظم ، ولكن في كلامه ونظمه ما يشير به إلى نوع من الحلول والاتحاد على طريقة ابن عربي وابن الفارض وشيخه الحريري . والله أعلم بحاله وحقيقة أمره . توفي بدمشق ليلة الأحد الرابع عشر من ربيع الآخر من هذه السنة ، عن أربع وسبعين سنة ، ودفن بتربة الشيخ رسلان معه داخل القبة ، وكان الشيخ رسلان شيخ الشيخ علي المغربل الذي تخرج على يديه الشيخ علي الحريري شيخ ابن إسرائيل ، فمن شعره قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لقد عادني من لاعج الشوق عائد     فهل عهد ذات الخال بالسفح عائد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهل نارها بالأجرع الفرد تعتلي     لمنفرد شاب الدجى وهو شاهد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      نديمي من سعدى أديرا حديثها     فذكرى هواها والمدامة واحد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      منعمة الأطراف رقت محاسنا     كما جل في حبي لها ما أكابد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فللبدر ما لاثت عليه خمارها     وللشمس ما جالت عليه القلائد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 551 ] وله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أيها المعتاض بالنوم السهر     ذاهلا يسبح في بحر الفكر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سلم الأمر إلى مالكه     واصطبر فالصبر عقباه الظفر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لا تكونن آيسا من فرج     إنما الأيام تأتي بالغير
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كدر يحدث في وقت الصفا     وصفا يحدث في وقت الكدر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وإذا ما ساء دهر مرة     سر أهليه ومهما ساء سر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فارض عن ربك في أقداره     إنما أنت أسير للقدر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وله قصيدة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم طويلة حسنة سمعها الشيخ كمال الدين الزملكاني وأصحابه على الشيخ أحمد الأعفف عنه ، وأورد له الشيخ قطب الدين اليونيني أشعارا كثيرة ، فمنها قصيدته الدالية المطولة التي أولها :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفى لي من أهواه جهرا لموعدي     وأرغم عذالي عليه وحسدي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وزار على شحط المزار مطولا     على مغرم بالوصل لم يتعود
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيا حسن ما أبدى لعيني جماله     ويا برد ما أهدى إلى قلبي الصدي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ويا صدق أحلامي ببشرى وصاله     ويا نيل آمالي ويا نجح مقصدي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 552 ] تجلى وجودي إذ تجلى لباطني     بجد سعيد أو بسعد مجدد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لقد حق لي عشق الوجود وأهله     وقد علقت كفاي جمعا بموجدي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم تغزل فأطال إلى أن قال :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلما تجلى لي على كل شاهد     وسامرني بالرمز في كل مشهد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تجنبت تقييد الجمال ترفعا     وطالعت أسرار الجمال المبدد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وصار سماعي مطلقا منه بدؤه     وحاشى لمثلي من سماع مقيد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ففي كل مشهود لقلبي شاهد     وفي كل مسموع له لحن معبد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أراه بأوصاف الجمال جميعها     بغير اعتقاد للحلول المبعد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ففي كل هيفاء المعاطف غادة     وفي كل مصقول السوالف أغيد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي كل بدر لاح في ليل شعره     على كل غصن مائس العطف أملد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وعند اعتناقي كل قد مهفهف     ورشفي رضابا كالرحيق المبرد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي الدر والياقوت والطيب والحلى     على كل ساجي الطرف لدن المقلد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي حلل الأثواب راقت لناظري     بزبرجها من مذهب ومورد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي الراح والريحان والسمع والغنا     وفي سجع ترجيع الحمام المغرد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي الدوح والأنهار والزهر والندى     وفي كل بستان وقصر مشيد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 553 ] وفي الروضة الفيحاء تحت سمائها     يضاحك نور الشمس نوارها الندي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي صفو رقراق الغدير إذا حكى     وقد جعلته الريح صفحة مبرد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي اللهو والأفراح والغفلة التي     تمكن أهل الفرق من كل مقصد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وعند انتشاء الشرب في كل مجلس     بهيج بأنواع الثمار المنضد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وعند اجتماع الناس في كل جمعة     وعيد وإظهار الرياش المجدد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي لمعان المشرفيات بالوغى     وفي ميل أعطاف القنا المتأود
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي الأعوجيات العتاق إذا انبرت     تسابق وفد الريح في كل مطرد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي الشمس تجلى وهي في برج نورها     لدى الأفق الشرقي مرآة عسجد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي البدر بدر الأفق ليلة تمه     جلته سماء مثل صرح ممرد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي أنجم زانت دجاها كأنها     نثار لآل في بساط زبرجد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي الغيث روى الأرض بعد همودها     قبال نداه متهم بعد منجد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي البرق يغدو موهنا في سحابه     كباسم ثغر أو حسام مجرد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي حسن تنميق الخطاب وسرعة الج     واب وفي الخط الأنيق المجود
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي رقة الأشعار راقت لسامع     بدائعها من مقصر ومقصد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي عود عيد الوصل من بعد جفوة     وفي أمن أحشاء الطريد المشرد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي رحمة المعشوق شكوى محبه     وفي رقة الألفاظ عند التودد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي أريحيات الكريم إلى الندى     وفي عاطفات العفو من كل سيد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 554 ] وحالة بسط العارفين وأنسهم     وتحريكهم عند السماع المقيد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي لطف آيات الكتاب التي بها     تنسم روح الوعد بعد التوعد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كذلك أوصاف الجلال مظاهر     أشاهده فيها بغير تردد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ففي صولة القاضي الجليل وسمته     وفي سطوة الملك الشديد التمرد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي حدة الغضبان حالة طيشه     وفي نخوة القرم المهيب المسود
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي صولة الصهباء حار مديرها     وفي بؤس أخلاق النديم المعربد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي الحر والبرد اللذين تقسما     الزمان وفي إيلام كل مجسد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي سر تسليط النفوس بشرها     علي وتحسين التعدي لمعتدي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي عسر العادات يستعرف القضا     وتكحل عين الشمس منه بإثمد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وعند اصطدام الخيل في كل موقف     يعثر فيه بالوشيج المنضد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي شدة الليث الصئول وبأسه     وشدة عيش بالسقام منكد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي جفوة المحبوب بعد وصاله     وفي غدره من بعد عهد مؤكد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي روعة البين المسيء وموقف ال     وداع لحران الجوانح مكمد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي فرقة الألاف بعد اجتماعهم     وفي كل تشتيت وشمل مبدد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي كل دار أقفرت بعد أنسها     وفي طلل بال دراس معهد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هول أمواج البحار ووحشة ال     قفار وسيل بالمزاييب مزبد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 555 ] وعند قيامي بالفرائض كلها     وحالة تسليم لسر التعبد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وعند خشوعي في الصلاة لعزة ال     مناجى وفي الإطراق عند التهجد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحالة إهلال الحجيج بحجهم     وإعمالهم للعيس في كل فدفد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي عسر تخليص الحلال وفترة ال     ملال لقلب الناسك المتعبد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ذكر آيات العذاب وظلمة ال     حجاب وقبض الناسك المتزهد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ويبدو بأوصاف الكمال فلا أرى     برؤيته شيئا قبيحا ولا ردي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فكل مسيء لي إلي كمحسن     وكل مضل لي إلي كمرشد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلا فرق عندي بين أنس ووحشة     ونور وإظلام ومدن ومبعد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وسيان إفطاري وصومي وفترتي     وجهدي ونومي وادعاء تهجدي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أرى تارة في حانة الخمر خالعا     عذاري وطورا في حنية معبد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تجلى لسري بالحقيقة مشرب     فوقتي ممزوج بكشف مسرمد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تعمرت الأوطان بي وتحققت     مظاهرها عندي بعيني ومشهدي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقلبي على الأشياء أجمع قلب     وسري مقسوم على كل مورد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فهيكل أوثان ودير لراهب     وبيت لنيران وقبلة مسجد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومرج لغزلان وحانة قهوة     وروضة أزهار ومطلع أسعد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 556 ] وأسرار عرفان ومفتاح حكمة     وأنفاس وجدان وفيض تبلد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وجيش لضرغام وخدر لكاعب     وظلمة حيران ونور لمهتدي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تقابلت الأضداد عندي جميعها     كمحنة مجهود ومنحة مجتدي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأحكمت تقرير المراتب صورة     ومعنى ومن عين التفرد موردي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فما موطن إلا ولي فيه موقف     على قدم قامت بحق التفرد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلا غرو إن فت الأنام بها وقد     علقت بحبل من حبال محمد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عليه صلاة الله تشفع دائما     بروح تحيات السلام المردد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن العود الرافضي أبو القاسم بن الحسين بن العود نجيب الدين الأسدي الحلي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      شيخ الشيعة وإمامهم وعالمهم في أنفسهم ، كانت له فضيلة ومشاركة في علوم كثيرة ، وكان حسن المحاضرة والمعاشرة لطيف النادرة ، وكان كثير التعبد بالليل ، وله شعر جيد . ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة ، وتوفي في رمضان من هذه السنة عن ست وتسعين سنة . والله أعلم بأحوال عباده وسرائرهم ونياتهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية