الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                فصل وقوله تعالى { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا } يقتضي وجوب الوضوء على كل مصل مرة بعد مرة فهو يقتضي التكرار وهذا متفق عليه بين المسلمين في الطهارة . وقال دلت عليه السنة المتواترة بل هو معلوم بالاضطرار من دين المسلمين عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لم يأمرنا بالوضوء لصلاة واحدة . بل أمر بأن يتوضأ كلما صلى : ولو صلى صلاة بوضوء وأراد أن يصلي سائر الصلوات بغير وضوء : استتيب فإن تاب وإلا قتل .

                لكن المقصود هنا : دلالة الآية عليه وذلك من لفظ " الصلاة " فإن " الصلاة " هنا اسم جنس . ليس المراد صلاة واحدة . فقد أمر إذا قام إلى جنس الصلاة أن يتوضأ . والجنس يتناول جميع ما يصليه من الصلوات في جميع عمره .

                فإن قيل : هذا يقتضي عموم الجنس فمن أين التكرار ؟ فإذا [ ص: 380 ] قام إلى أي صلاة توضأ لكن من أين أنه إذا قام إليها يوما آخر يتوضأ ؟ قيل : لأنه في هذا اليوم الثاني قائم إلى الصلاة . فهو مأمور بالوضوء إذا قام إلى مسمى الصلاة ; فحيث وجد قيام إلى مسمى الصلاة فهو مأمور بالوضوء متى وجد ذلك . فعليه الوضوء . وهو كقوله تعالى : { أقم الصلاة لدلوك الشمس } فالمراد : جنس الدلوك فهو مأمور بإقامة الصلاة له . وكذلك قوله : { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها } فهو متناول لكل طلوع وغروب وليس المراد طلوعا واحدا فكأنه قال : قبل كل طلوع لها وقبل كل غروب . وأقم الصلاة عند كل دلوك وكل صلاة يقوم إليها متوضئا لها .

                وقد تنازع الناس في الأمر المطلق : هل يقتضي التكرار ؟ على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره .

                قيل : يقتضيه كقول طائفة منهم القاضي أبو يعلى وابن عقيل .

                وقيل : لا يقتضيه كقول كثير منهم أبو الخطاب .

                وقيل : إن كان معلقا بسبب اقتضى التكرار . وهذا هو المنصوص عن أحمد كآية الطهارة والصلاة .

                [ ص: 381 ] فإن قيل : فهذا لا يتكرر في الطلاق والعتق المعلق .

                قيل : لأن عتق الشخص الواحد لا يتكرر . وكذلك الطلاق المعلق نفسه لا يتكرر . بل الطلقة الثانية حكمها غير حكم الأولى . وهو محدود بثلاث . ولكن إذا قال الناذر : لله علي إن رزقني الله ولدا أن أعتق عنه وإذا أعطاني مالا أن أزكيه أو أتصدق بعشره : تكرر . وبسط هذا له موضع آخر .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية