الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعنه قال قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم مثلي كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي يقعن في النار يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنه يتقحمن ، قال فذلكم مثلي ومثلكم أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار هلم عن النار هلم عن النار فتغلبوني تقحمون فيها .

                                                            [ ص: 222 ]

                                                            التالي السابق


                                                            [ ص: 222 ] الحديث الثاني وعنه قال قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم مثلي كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي يقعن في النار يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنه يتقحمن قال فذلكم مثلي ومثلكم أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار هلم عن النار هلم عن النار فتغلبوني تقتحمون فيها (فيه) فوائد :

                                                            (الأولى) أخرجه مسلم من هذا الوجه واتفق عليه الشيخان والترمذي من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة .

                                                            (الثانية) قوله استوقد نارا أي أوقدها والسين والتاء زائدتان .

                                                            (الثالثة) الفراش بفتح الفاء قال المازري قال الفراء هو غوغاء الجراد الذي يفترش ويتراكم وقال غيره الذي يتساقط في النار والسراج وقال القاضي عياض قال الخليل هو الذي يطير كالبعوض وقال غيره ما نراه كصغار البق يتهافت في النار واقتصر النووي على نقل ما ذكره القاضي واقتصر القرطبي على نقل ما ذكره المازري ، ثم قال إن الثاني أشبه بما في الحديث (قلت) وهو الذي ذكره صاحبا الصحاح والنهاية وقال في المحكم الفراش دواب مثل البعوض واحدتها فراشة والفراشة الخفيف الطياش من الرجال انتهى .

                                                            (الرابعة) قوله يتقحمن بياء مثناة من تحت ، ثم تاء مثناة من فوق ، ثم قاف مفتوحة ، ثم حاء مهملة مفتوحة مشددة والتقحم الإقدام والوقوع في الأمور الشاقة من غير تثبت ولا ترو .

                                                            (الخامسة) قوله أنا آخذ بحجزكم قال النووي روي بوجهين :

                                                            (أحدهما) اسم [ ص: 223 ] فاعل بكسر الخاء وتنوين الذال (والثاني) فعل مضارع بضم الخاء بلا تنوين والأول أشهر وهما صحيحان .

                                                            (السادسة) قوله بحجزكم بضم الحاء المهملة وفتح الجيم جمع حجزة بضم الحاء وإسكان الجيم وهي معقد الإزار والسراويل يقال تحاجز القوم أخذ بعضهم بحجزة بعض وإذا أراد الرجل إمساك من يخاف سقوطه أخذه بذلك الموضع منه .

                                                            (السابعة) قوله هلم بفتح الهاء وضم اللام وفتح الميم وتشديدها قال في الصحاح هو بمعنى تعال قال الخليل أصله لم من قولهم لم الله شعثه أي : جمعه كأنه أراد لم نفسك إلينا أي اقرب وها للتنبيه وإنما حذفت ألفها لكثرة الاستعمال وجعلا اسما واحدا يستوي فيه الواحد والجمع والتأنيث في لغة أهل الحجاز قال الله تعالى والقائلين لإخوانهم هلم إلينا وأهل نجد يصرفونها فيقولون للاثنين هلما وللجمع هلموا وللمرأة هلمي بكسر الميم ، وفي التثنية هلما للمؤنث والمذكر جميعا وهلممن يا رجال بضم الميم وهلممنان يا نسوة وحكي في المحكم عن سيبويه أنه لا تدخل النون الخفيفة ولا الثقيلة عليها لأنها ليست بفعل وإنما هي اسم فعل قال يريد أن النون إنما تدخل الأفعال دون الأسماء .

                                                            وأما في لغة بني تميم فتدخلها الخفيفة والثقيلة لأنهم قد أجروها مجرى الفعل وقال في المحكم قبل ذلك وهذه الكلمة مركبة من ها التي للتنبيه ومن لم ، ولكنها قد استعملت استعمال الكلمة المفردة والبسيطة انتهى .

                                                            وقوله في الحديث هلم عن النار معمول لقول محذوف تقديره قائلا هلم عن النار ، وقد كرر هذه اللفظة في روايتنا ثلاثا للتأكيد واقتصر في رواية مسلم من هذا الوجه على مرة واحدة .

                                                            (الثامنة) قال النووي مقصود الحديث أنه صلى الله عليه وسلم شبه تساقط الجاهلين والمخالفين بمعاصيهم وشهواتهم في نار الآخرة وحرصهم على الوقوع في ذلك مع منعه إياهم وقبضه على مواضع المنع منهم بتساقط الفراش في نار الدنيا لهواه وضعف تمييزه فكلاهما حريص على هلاك نفسه ساع في ذلك بجهله وقال أبو العباس القرطبي ، وهو مثل لاجتهاد نبينا صلى الله عليه وسلم في نجاتنا وحرصه على تخليصنا من المهلكات التي بين أيدينا لجهلنا بقدر ذلك وغلبة شهواتنا علينا وقال القاضي أبو بكر بن العربي [ ص: 224 ] هذا مثل غريب كثير المعاني ، المقصود منه أن الله ضرب مثلا لجهنم وما ركب من الشهوات المستدعية لها المقتضية للدخول فيها وما نهى عنها وتوعد عليها وأنذرها وذكر ذلك فيها ، ثم تغلب الشهوات على التقحم باسم أنها مصالح ومنافع وهي نكتة الأمثال فإن الخلق لا يأتون ذلك على قصد الهلكة وإنما يأتون باسم النجاة والمنفعة كالفراش يقتحم الضياء ليس لتهلك فيه ولكنها تأنس به وهي لا تصبر بحال حتى قال بعضهم : إنها في ظلمة فتعتقد أن الضياء كوة فتستظهر فيها النور فتقصدها لأجل ذلك فتحترق وهي لا تشعر وذلك هو الغالب من أحوال الخلق أو كله انتهى .




                                                            الخدمات العلمية