الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : إنك ميت الآيتين .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج عبد بن حميد والنسائي ، وابن أبي حاتم والطبراني ، وابن مردويه عن ابن عمر قال : لقد لبثنا برهة من دهرنا ونحن نرى أن هذه الآية نزلت فينا وفي أهل الكتابين من قبلنا : إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون قلنا : كيف نختصم ونبينا واحد وكتابنا واحد؟ حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف، فعرفت أنها فينا نزلت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج نعيم بن حماد في "الفتن" والحاكم وصححه، وابن مردويه عن [ ص: 656 ] ابن عمر قال : عشنا برهة من دهرنا وما نرى هذه الآية نزلت فينا : إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون فقلت : لم نختصم؟ أما نحن فلا نعبد إلا الله وأما ديننا فالإسلام، وأما كتابنا فالقرآن لا نغيره أبدا ولا نحرف الكتاب، وأما قبلتنا فالكعبة، وأما حرامنا -أو حرمنا- فواحد، وأما نبينا فمحمد صلى الله عليه وسلم، فكيف نختصم؟ حتى كفح بعضنا وجه بعض بالسيف فعرفت أنها نزلت فينا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن مردويه عن ابن عمر قال : نزلت علينا الآية : ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون وما ندري ما تفسيرها -ولفظ عبد بن حميد : وما ندري فيم نزلت- قلنا : ليس بيننا خصومة، فما التخاصم؟ حتى وقعت الفتنة، فقلنا : هذا الذي وعدنا ربنا أن نختصم فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن عساكر عن إبراهيم النخعي قال : أنزلت هذه الآية : إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون قالوا : وما خصومتنا ونحن إخوان؟ فلما قتل عثمان بن عفان قالوا : هذه خصومة ما بيننا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 657 ] وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد عن الفضل بن عيسى قال : لما أن قرئت هذه الآية : إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون قيل : يا رسول الله فيم الخصومة؟ قال : "في الدماء" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله : إنك ميت وإنهم ميتون قال : نعى لنبيه صلى الله عليه وسلم نفسه، ونعى لكم أنفسكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق وأحمد ، وابن منيع، وابن أبي عمر وعبد بن حميد والترمذي وصححه، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه، وابن مردويه وأبو نعيم في "الحلية" والبيهقي في "البعث والنشور" عن الزبير بن العوام قال : لما نزلت : إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون قلت : يا رسول الله أيكرر علينا ما يكون بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب؟ قال : نعم، ليكررن عليكم ذلك حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه، قال الزبير : فوالله إن الأمر لشديد .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 658 ] وأخرج ابن جرير ، والطبراني ، وابن مردويه وأبو نعيم عن عبد الله بن الزبير قال : لما نزلت هذه الآية : إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون قال الزبير : يا رسول الله يكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم، ليكرر ذلك عليكم حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه قال الزبير : والله إن الأمر لشديد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت : ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون كنا نقول : ربنا واحد، وديننا واحد فما هذه الخصومة؟ فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا : نعم، هو هذا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد بسند حسن عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليختصمن يوم القيامة كل شيء حتى الشاتان فيما انتطحتا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد وأبو يعلى عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : والذي نفسي بيده إنه ليختصم الشاتان فيما انتطحتا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 659 ] وأخرج الطبراني ، وابن مردويه بسند لا بأس به عن أبي أيوب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أول من يختصم يوم القيامة الرجل وامرأته، والله ما يتكلم لسانها ولكن يداها ورجلاها يشهدان عليها بما كانت تغيب لزوجها، وتشهد يداه ورجلاه بما كان يوليها، ثم يدعى الرجل وخادمه بمثل ذلك، ثم يدعى أهل الأسواق وما يوجد ثم دوانق ولا قراريط ولكن حسنات هذا تدفع إلى هذا الذي ظلم وسيئات هذا الذي ظلمه توضع عليه، ثم يؤتى بالجبارين في مقامع من حديد، فيقال : أوردوهم النار، فوالله ما أدري يدخلونها، أو كما قال الله : وإن منكم إلا واردها [مريم : 71 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، والطبراني بسند حسن، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أول خصمين يوم القيامة جاران .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البزار عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجاء بالأمير الجائر فتخاصمه الرعية، فيفلجون عليه، فيقال له : سد ركنا من أركان جهنم" .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 660 ] وأخرج ابن منده عن ابن عباس قال : يختصم الناس يوم القيامة حتى تختصم الروح مع الجسد، فتقول الروح للجسد : أنت فعلت . ويقول الجسد للروح : أنت أمرت وأنت سولت، فيبعث الله ملكا فيقضي بينهما، فيقول لهما : إن مثلكما كمثل رجل مقعد بصير وآخر ضرير دخلا بستانا، فقال المقعد للضرير : إني أرى ههنا ثمارا، ولكن لا أصل إليها، فقال له الضرير : اركبني فتناولها فركبه فتناولها، فأيهما المعتدي؟ فيقولان : كلاهما فيقول لهما الملك : فإنكما قد حكمتما على أنفسكما، يعني أن الجسد للروح كالمطية وهو راكبه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون يقول : يخاصم الصادق الكاذب، والمظلوم الظالم والمهتدي الضال والضعيف المستكبر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد في "الزهد" عن أبي الدرداء ، أن رجلا أبصر جنازة، فقال : من هذا؟ فقال : أبو الدرداء : هذا أنت، هذا أنت، يقول الله : إنك ميت وإنهم ميتون .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية