الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ويحرم نقل الميت ) قبل الدفن ويأتي حكم ما بعده ( إلى بلد آخر ) وإن أوصى به لأن فيه هتكا لحرمته وصح { أمره صلى الله عليه وسلم لهم بدفن قتلى أحد في مضاجعهم } لما أرادوا نقلهم ولا ينافيه ما مر لاحتمال أنهم نقلوهم بعد فأمرهم بردهم إليها وقضية قوله بلد آخر أنه لا يحرم نقله لتربة ونحوها والظاهر أنه غير مراد وأن كل ما لا ينسب لبلد الموت يحرم النقل إليه ثم رأيت غير واحد جزموا بحرمة نقله إلى محل أبعد من مقبرة محل موته ( وقيل يكره ) إذ لم يرد دليل لتحريمه [ ص: 203 ] ( إلا أن يكون بقرب مكة ) أي حرمها وكذا البقية ( أو المدينة أو بيت المقدس نص عليه ) الشافعي رضي الله عنه وإن نوزع في ثبوته عنه أو قرية بها صلحاء على ما بحثه المحب الطبري قال جمع وعليه فيكون أولى من دفنه مع أقاربه في بلده أي لأن انتفاعه بالصالحين أقوى منه بأقاربه فلا يحرم ولا يكره بل يندب لفضلها ومحله حيث لم يخش تغيره وبعد غسله وتكفينه والصلاة عليه وإلا حرم لأن الفرض تعلق بأهل محل موته فلا يسقطه حل النقل وينقل أيضا لضرورة كأن تعذر إخفاء قبره ببلاد كفر أو بدعة وخشي منهم نبشه وإيذاؤه وقضية ذلك أنه لو كان نحو السيل يعم مقبرة البلد ويفسدها جاز لهم النقل إلى ما ليس كذلك وبحث بعضهم جوازه لأحد الثلاثة بعد دفنه إذا أوصى به ووافقه غيره فقال بل هو قبل التغير واجب وفيهما نظر وعلى كل فلا حجة فيما رواه ابن حبان { أن يوسف صلى الله على نبينا وعليه وسلم نقل بعد سنين كثيرة من مصر إلى جوار جده الخليل صلى الله عليهما وسلم } وإن صح ما جاء أن الناقل له موسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم لأنه ليس من شرعنا ومجرد حكايته صلى الله عليه وسلم له لا تجعله من شرعه

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله وصح أمره صلى الله عليه وسلم إلخ ) قد يشكل على الاستدلال به الاستدلال بأمره صلى الله عليه وسلم بردهم إلى مضاجعهم بعد نقلهم إلى المدينة على ندب دفن الشهيد بمحله كما تقدم في شرح والدفن بالمقبرة أفضل ( قوله لاحتمال أنهم نقلوهم بعد ) أي ولعلهم فهموا أن الأمر للإباحة وإلا فلا يليق بهم مخالفته أو أن بعضهم ممن لم يبلغهم الأمر نقل [ ص: 203 ] بعض القتلى فأمرهم بردهم ( قوله في المتن إلا أن يكون بقرب مكة ) ما ضابط القرب قال في شرح الروض والمعتبر في القرب مسافة لا يتغير الميت فيها قبل وصوله ا هـ



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( ويحرم نقل الميت ) أي من بلد موته نهاية ومغني قال ع ش يؤخذ منه أن دفن أهل أنبابة موتاهم في القرافة ليس من النقل المحرم لأن القرافة صارت مقبرة لأهل أنبابة فالنقل إليها ليس نقلا عن مقبرة محل موته وهو أنبابة م ر سم على المنهج أي ولا فرق في ذلك بين من اعتاد الدفن فيها أو في أنبابة فيما يظهر ومثله يقال فيما إذا كان في البلد الواحد مقابر متعددة كباب النصر والقرافة والأزبكية بالنسبة لأهل مصر فله الدفن في أيها شاء لأنها مقبرة بلده بل له ذلك وإن كان ساكنا بقرب أحدها جدا للعلة المذكورة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله قبل الدفن ) إلى قوله وينقل في المغني إلا قوله وصح أمره إلى وقضية إلخ وقوله وكذا البقية وإلى قول المتن ونبشه في النهاية إلا ما ذكر وقوله وفيهما نظر ( قوله ويأتي إلخ ) أي في مسألة نبشه مغني ( قوله ما مر ) أي في شرح والدفن بالمقبرة أفضل كردي .

                                                                                                                              ( قوله وصح أمره إلخ ) قد يشكل على هذا الاستدلال ما تقدم من الاستدلال به على ندب دفن الشهيد بمحله سم ( قوله لاحتمال أنهم نقلوهم بعد إلخ ) أي ولعلهم فهموا أن الأمر للإباحة وإلا فلا يليق بهم مخالفته أو أن بعضهم ممن لم يبلغه الأمر نقل بعض القتلى فأمرهم بردهم سم أي أو أن الأمر إنما ورد بعد نقل بعضهم بعض القتلى ( قوله وقضية قوله إلخ ) عبارة النهاية والمغني وتعبيره [ ص: 203 ] بالبلد مثال فالصحراء كذلك وحينئذ فينتظم كما قاله الإسنوي منها مع البلد أربع مسائل ولا شك في جوازه في البلدتين المتصلين أو المتقاربتين لا سيما والعادة جارية بالدفن خارج البلد ولعل العبرة في كل بلد بمسافة مقبرتها ا هـ قال ع ش قوله م ر أربع مسائل هي نقله من بلد لبلد أو لصحراء أو من صحراء لصحراء أو بلد وقوله م ر بمسافة مقبرتها يعني فلو أراد النقل إلى بلد آخر اعتبر في التحريم الزيادة على تلك المسافة ا هـ .

                                                                                                                              قول المتن ( إلا أن يكون بقرب مكة إلخ ) والمعتبر في القرب مسافة لا يتغير فيها الميت قبل وصوله قال الزركشي وينبغي استثناء الشهيد وقد مر ما يدل عليه ولو أوصى بنقله من محل موته إلى محل من الأماكن الثلاثة ( مكة أو المدينة أو بيت المقدس ) نفذت وصيته حيث قرب وأمن التغير كما قاله الأذرعي نهاية ومغني قال ع ش قوله م ر لا يتغير فيها إلخ أي غالبا ولو زادت على يوم ومن التغير انتفاخه أو نحوه وقوله م ر وينبغي استثناء إلخ أي من النقل فيحرم وقوله م ر من الأماكن الثلاثة أي أما غيرها فيحرم تنفيذها وقوله م ر نفذت وصيته إلخ أي ولو دفن بغيرها نقل وجوبا عملا بوصيته على ما يأتي والمعتمد منه عدم النقل مطلقا ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله أي حرمها إلخ ) ويظهر أن النقل من حرم مكة إليها مندوب لتميزها على بقيته وأن النقل من محل منه إلى محل آخر منه كذلك حيث كان في المنقول إليه مزية ليست في المنقول منه كمجاورة أهل صلاح مثلا وإلا فيحرم فيما يظهر إذ لا معنى له حينئذ وعليه إن تم يحرم النقل من مكة إلى خارجها من بقية الحرم بالأولى ثم جميع ما ذكر يتأتى في المدينة وبيت المقدس والتفصيل يعلم بالمقايسة على ما تقدم هذا ما ظهر في جميع ما ذكر ولم أر في شيء منه نقلا فليتأمل وليحرر بصري وقوله وإلا فيحرم إلخ وقوله يحرم النقل من مكة إلخ تقدم عن ع ش ما يفيد تقييده لما إذا لم يكن المنقول إليه مقبرة لأهل مكة أو حرمها أو مثلها مسافة وإلا فيجوز ( قوله بحرمة نقله إلى محل أبعد من مقبرة إلخ ) أي فلا يحرم نقله إلى بلد آخر إلا إذا كان أبعد مسافة من مقبرة بلده فتأمل رشيدي وتقدم عن ع ش مثله ( قوله وكذا لبقية ) أي ما يأتي في المتن وهو المدينة وبيت المقدس وفي الشارح وهو قرية بها صلحاء يعني المراد بها جميع حريمها كردي .

                                                                                                                              ( قول المتن نص عليه إلخ ) أي لفظها وحينئذ فالاستثناء عائد إلى الكراهة ويلزم منه عدم الحرمة أو إليها معا وهو أولى كما قاله الإسنوي عملا بقاعدة الاستثناء عقب الجمل نهاية ومغني ( قوله وإن نوزع في ثبوته إلخ ) أي إذ من حفظ حجة على من لم يحفظ نهاية ( قوله أو قرية بها إلخ ) أي أو بقرب قبر صالح كالإمام الشافعي ونحوه شيخنا ( قوله على ما بحثه المحب إلخ ) اعتمده النهاية والمغني ( قوله فلا يحرم إلخ ) راجع للمتن ( قوله ومحله إلخ ) أي محل جواز النقل إلى الأماكن الثلاثة وما ألحق بها ( قوله فيكون أولى إلخ ) وهو الظاهر مغني ونهاية ( قوله وبعد غسله إلخ ) عطف على قوله حيث إلخ ( قوله وينقل إلخ ) أي يجوز ذلك ع ش ( قوله وقضية ذلك ) أي جواز النقل للضرورة المذكورة ( قوله يعم مقبرة البلد إلخ ) أي ولو في بعض فصول السنة كأن كان الماء يفسدها زمن النيل دون غيره فيجوز نقله في جميع السنة وينبغي أن محل جواز النقل ما لم يتغير وإلا دفن بمكانه ويحتاط في إحكام قبره بالبناء ونحوه كجعله في صندوق ع ش ( قوله إلى ما ليس كذلك ) أي ولو في بلد آخر يسلم منه الميت من الفساد ع ش ( قوله وبحث بعضهم إلخ ) ضعيف ع ش




                                                                                                                              الخدمات العلمية