الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ( س )

                                                                                      ابن أعين بن ليث ، الإمام ، شيخ الإسلام ، أبو عبد الله ، المصري الفقيه .

                                                                                      ولد سنة اثنتين وثمانين ومائة .

                                                                                      وسمع من : عبد الله بن وهب بعناية أبيه به ، ومن أبي ضمرة الليثي ، وابن أبي فديك ، وأيوب بن سويد ، وبشر بن بكر ، وأشهب بن عبد العزيز ، ووالده عبد الله بن عبد الحكم وشعيب بن الليث ، وأبي عبد الرحمن المقرئ ، والشافعي ، وإسحاق بن الفرات ، وحرملة بن عبد العزيز ، ويحيى بن سلام ، وسعيد بن بشير القرشي ، وعبد الله بن نافع الصائغ ، وحجاج بن رشدين ، وطائفة .

                                                                                      وعنه : النسائي في " سننه " ، وابن خزيمة ، وابن صاعد ، وعمرو بن عثمان المكي ، وأبو بكر بن زياد ، وأبو جعفر الطحاوي ، وعلي بن أحمد علان ، وإسماعيل بن داود بن وردان ، وعبد الرحمن بن أبي حاتم ، [ ص: 498 ] وأبو العباس الأصم ، وخلق كثير .

                                                                                      وكان عالم الديار المصرية في عصره مع المزني .

                                                                                      وثقه النسائي ، وقال مرة . لا بأس به .

                                                                                      وقال إمام الأئمة ابن خزيمة : ما رأيت في فقهاء الإسلام أعرف بأقاويل الصحابة والتابعين من محمد بن عبد الله بن عبد الحكم .

                                                                                      وقال : كان أعلم من رأيت على أديم الأرض بمذهب مالك ، وأحفظهم له . سمعته يقول : كنت أتعجب ممن يقول في المسائل : لا أدري .

                                                                                      ثم قال ابن خزيمة : وأما الإسناد فلم يكن يحفظه ، وكان من أصحاب الشافعي ، وكان ممن يتكلم فيه ، فوقعت بينه وبين البويطي وحشة في مرض الشافعي ، فحدثني أبو جعفر السكري صديق الربيع ، قال لما مرض الشافعي ، رحمه الله ، جاء ابن عبد الحكم ينازع البويطي في مجلس الشافعي ، فقال البويطي : أنا أحق به منك . فجاء الحميدي ، وكان بمصر ، فقال : قال الشافعي : ليس أحد أحق بمجلسي من البويطي ، وليس أحد من أصحابي أعلم منه . فقال له ابن عبد الحكم : كذبت . فقال الحميدي : كذبت أنت وأبوك وأمك ، وغضب ابن عبد [ ص: 499 ] الحكم ، فترك مجلس الشافعي .

                                                                                      قال : فحدثني ابن عبد الحكم : قال : كان الحميدي معي في الدار نحوا من سنة ، وأعطاني كتاب ابن عيينة ، ثم أبوا إلا أن يوقعوا بيننا ما وقع .

                                                                                      هذه الحكاية . رواها الحاكم عن حسينك ، عن ابن خزيمة .

                                                                                      وعن أبي إبراهيم المزني قال : نظر الشافعي إلى محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وقد ركب دابته ، فأتبعه بصره ، وقال : وددت أن لي ولدا مثله ، وعلي ألف دينار لا أجد قضاءها .

                                                                                      قال أبو الشيخ : حدثنا عمرو بن عثمان المكي قال : رأيت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يصلي الضحى ، فكان كلما صلى ركعتين سجد سجدتين ، فسأله من يأنس به ، فقال : أسجد شكرا لله على ما أنعم به علي من صلاة الركعتين .

                                                                                      قال ابن أبي حاتم : ابن عبد الحكم ثقة صدوق ، أحد فقهاء مصر ، من أصحاب مالك .

                                                                                      قلت : قد تفقه بمالك ، ولزمه مدة ، وهو -أيضا- في عداد أصحابه الكبار . [ ص: 500 ]

                                                                                      أخبرني عمر بن عبد المنعم ، عن أبي اليمن الكندي ، أخبرنا علي بن عبد السلام ، أخبرنا الشيخ أبو إسحاق الشيرازي ، قال : حمل محمد في محنة القرآن إلى ابن أبي داود ، ولم يجب إلى ما طلب منه ، ورد إلى مصر ، وانتهت إليه الرئاسة بمصر ، يعني : في العلم . وذكر غيره أن ابن عبد الحكم ضرب ، فهرب واختفى .

                                                                                      وقد نالته محنة أخرى صعبة مرت في " تاريخنا " الكبير في ترجمة أخيه عبد الحكم الرجل الصالح ، قال أبو سعيد بن يونس : عذب عبد الحكم في السجن ، ودخن عليه ، فمات في سنة سبع وثلاثين ومائتين ، لكونه اتهم بودائع لعلي بن الجروي .

                                                                                      وقال ابن أبي دليم : لم يكن في الإخوة أفقه من عبد الحكم . وقيل : إن بني عبد الحكم ، غرموا في نوبة ابن الجروي أكثر من ألف ألف دينار . استصفيت أموالهم ، ونهبت منازلهم . ثم بعد مدة أطلقهم المتوكل ، ورد إليهم البعض ، وسجن القاضي الأصم الذي ظلمهم ، وحلقت لحيته ، وضرب ، وطيف به على حمار .

                                                                                      قال أبو سعيد بن يونس في " تاريخه " : كان محمد هو المفتي بمصر في أيامه .

                                                                                      قلت : له تصانيف كثيرة ، منها : كتاب في " الرد على الشافعي " ، وكتاب " أحكام القرآن " ، وكتاب " الرد على فقهاء العراق " ، وغير ذلك .

                                                                                      وما زال العلماء قديما وحديثا يرد بعضهم على بعض في البحث وفى التواليف ، وبمثل ذلك يتفقه العالم ، وتتبرهن له المشكلات . ولكن في زماننا قد يعاقب الفقيه إذا اعتنى بذلك لسوء نيته ، ولطلبه للظهور والتكثر ، [ ص: 501 ] فيقوم عليه قضاة وأضداد . نسأل الله حسن الخاتمة ، وإخلاص العمل .

                                                                                      وقد كان ابن عبد الحكم ، مع عظمته بمصر ، يركب حميرا ضعيفا ، ويتواضع في أموره ، وكان أبوه كما قلنا من كبار الفقهاء من تلامذة مالك .

                                                                                      قال ابن يونس : مات محمد في يوم الأربعاء نصف ذي القعدة سنة ثمان وستين ومائتين . وصلى عليه القاضي بكار بن قتيبة .

                                                                                      قلت : وله مصنف في " أدب القضاة " مفيد .

                                                                                      أخبرتنا خديجة بنت علي ، أخبرنا أحمد بن عبد الواحد ، أخبرنا عبد المنعم بن الفراوي ، أخبرنا عبد الغفار الشيروي ، أخبرنا أبو سعيد الصيرفي ، حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، أخبرنا أنس بن عياض ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : عذبت امرأة في هرة أمسكتها حتى ماتت من الجوع ، فلم تكن تطعمها ، ولا ترسلها فتأكل من خشاش الأرض .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية