الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا ) فههنا بحثان :

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الأول : أنه تعالى قال : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها ) [ الزمر : 42 ] وقال : ( الذي خلق الموت والحياة ) [ الملك : 2 ] فهذان النصان يدلان على أن توفي الأرواح ليس إلا من الله تعالى . ثم قال : ( قل يتوفاكم ملك الموت ) [ السجدة : 11 ] وهذا يقتضي أن الوفاة لا تحصل إلا من ملك الموت . ثم قال في هذه الآية : ( توفته رسلنا ) فهذه النصوص الثلاثة كالمتناقضة .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب : أن التوفي في الحقيقة يحصل بقدرة الله تعالى ، وهو في علم الظاهر مفوض إلى ملك الموت ، وهو الرئيس المطلق في هذا الباب ، وله أعوان وخدم وأنصار ، فحسنت إضافة التوفي إلى هذه الثلاثة بحسب الاعتبارات الثلاثة ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الثاني : من الناس من قال : هؤلاء الرسل الذين بهم تحصل الوفاة ، وهم أعيان أولئك الحفظة فهم في مدة الحياة يحفظونهم من أمر الله ، وعند مجيء الموت يتوفونهم ، والأكثرون أن الذين يتولون الحفظ غير الذين يتولون أمر الوفاة ، ولا دلالة في لفظ الآية تدل على الفرق ، إلا أن الذي مال إليه الأكثرون هو القول الثاني ، وأيضا فقد ثبت بالمقاييس العقلية أن الملائكة الذين هم معادن الرحمة والخير والراحة مغايرون للذين هم أصول الحزن والغم ، فطائفة من الملائكة هم المسمون بالروحانيين لإفادتهم الروح والراحة والريحان ، وبعضهم يسمون بالكروبيين لكونهم مبادئ الكرب والغم والأحزان .

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الثالث : الظاهر من قوله تعالى : ( قل يتوفاكم ملك الموت ) [السجدة : 11] أنه ملك واحد هو [ ص: 15 ] رئيس الملائكة الموكلين بقبض الأرواح ، والمراد بالحفظة المذكورين في هذه الآية : أتباعه ، وأشياعه عن مجاهد : جعل الأرض مثل الطست لملك الموت يتناول من يتناوله ، وما من أهل بيت إلا ويطوف عليهم في كل يوم مرتين ، وجاء في الأخبار من صفات ملك الموت ومن كيفية موته عند فناء الدنيا وانقضائها أحوال عجيبة .

                                                                                                                                                                                                                                            والبحث الرابع : قرأ حمزة : توفاه بالألف ممالة والباقون بالتاء ، فالأول لتقديم الفعل ، ولأن الجمع قد يذكر ، والثاني على تأنيث الجمع .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية