الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أما الشرع: فإن هذا فيه قول بحدوث كل ما سوى الله، وذلك القول فيه إثبات عقول ونفوس أزلية مع الله تعالى، والفرق بين القولين معلوم عند أهل الملل والشرائع.

وأما العقل: فإن قول الأرموي فيه إثبات أمور ممكنة، يحدث فيها حوادث متعاقبة من غير أمر يتجدد من الواجب، وهذا يقتضي حدوث الحوادث بلا محدث، فإن الواجب بنفسه إذا كان علة مستلزمة لمعلولها، لم يجز تأخر شيء من معلوله عنه، بخلاف ما ذكره الأبهري، فإنه ليس فيه إلا أن الواجب مستلزم لآثاره شيئا بعد شيء، وهذا متفق عليه بينهم، فإنه ليس فيه إلا تسلسل الآثار، والأبهري [ ص: 380 ] والأرموي وغيرهما يقولون بتسلسل الآثار، بل قول أولئك يقتضي أن يكون الفلك هو رب ما دونه، وهو المحدث للحوادث بأفعاله القائمة به المتعاقبة، وقول الأبهري يقتضي أن يكون الله هو رب العالمين، وهو محدث لكل شيء مما يقوم به من الأفعال المتعاقبة.

ولا ريب أن قول أولئك فاسد في العقل، كما هو فاسد في الشرع، فإن الفلك إذا كان ممكنا فجميع صفاته وحركاته ممكنة، ولا يترجح شيء من ذلك إلا بوجود المرجح التام، فالمرجح التام إن كان موجودا في الأزل لزم وجود مقتضاه في الأزل.

ثم ذلك المرجح إن كان في نفسه علة تامة لمعلوله، بحيث لا يتجدد به ولا منه شيء، امتنع أن يصدر عنه شيء، بعد أن لم يكن صادرا، لا في الفلك ولا في غير الفلك، لا دائم ولا منقطع، وامتنع أن تكون حركة الفلك الدائمة صادرة عن هذا، لا سيما مع اختلاف الحركات والمتحركات، وأنه بسيط عندهم من كل وجه، وهو في الأزل علة تامة، فيمتنع أن تصدر عنه المختلفات والمتجددات، كما أن جميع المتحركات الممكنات لا تدوم حركتها إلا بدوام السبب المحرك المنفصل عنها، وهذا لأن حال الفاعل إذا كانت حين أحدث هذا المتأخر كحاله حين أحدث ذلك المتقدم، امتنع تخصيص هذا الحال بالفصل دون هذه، كما يقولون هم ذلك.

التالي السابق


الخدمات العلمية