الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما ورد في قتل الشارب في الرابعة وبيان نسخه 3174 - ( عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : من شرب الخمر فاجلدوه ، فإن عاد فاجلدوه ، فإن عاد فاجلدوه ، فإن عاد فاقتلوه } . قال عبد الله : ائتوني برجل قد شرب الخمر في الرابعة فلكم علي أن أقتله . رواه أحمد ) .

                                                                                                                                            3175 - وعن معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : إذا شربوا الخمر فاجلدوهم ، ثم إذا شربوا فاجلدوهم ، ثم إذا شربوا الرابعة فاقتلوهم } . رواه الخمسة إلا النسائي ، قال الترمذي : إنما كان هذا في أول الأمر ثم نسخ بعد ، هكذا روى محمد بن إسحاق [ ص: 175 ] عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : إن شرب الخمر فاجلدوه ، فإن عاد الرابعة فاقتلوه ، قال ثم أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك برجل قد شرب في الرابعة فضربه ولم يقتله }

                                                                                                                                            3176 - ( وعن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : من شرب الخمر فاجلدوه ، فإن عاد فاجلدوه ، فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه ، فأتي برجل قد شرب فجلده ، ثم أتي به فجلده ، ثم أتي به فجلده ، ثم أتي به فجلده ورفع القتل وكانت رخصة } . رواه أبو داود وذكره الترمذي بمعناه ) .

                                                                                                                                            3177 - ( وعن أبي هريرة قال { : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن سكر فاجلدوه ، ثم إن سكر فاجلدوه ، فإن عاد في الرابعة فاضربوا عنقه } . رواه الخمسة إلا الترمذي ، وزاد أحمد : قال الزهري { : فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسكران في الرابعة فخلى سبيله } ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث ابن عمرو أخرجه أيضا الحارث بن أبي أسامة في مسنده من طريق الحسن البصري ، ورواه من طريق ابن حزم ، والحسن لم يسمع من عبد الله بن عمرو فهو منقطع . وقد جزم بعدم سماعه منه ابن المديني وغيره ، ووقع في نسخة من هذا الكتاب عبد الله بن عمر بدون واو ، والصواب إثباتها . وحديث معاوية قال البخاري : هو أصح ما في هذا الباب . وأخرجه أيضا الشافعي والدارمي وابن المنذر وابن حبان وصححه من حديث أبي هريرة ، وأخرجه ابن أبي شيبة من رواية أبي سعيد والمحفوظ أنه عن معاوية .

                                                                                                                                            وأخرجه أبو داود من رواية العطار وفيه { فإن شربوا ، يعني بعد الرابعة فاقتلوهم } .

                                                                                                                                            ورواه أيضا أبو داود من حديث ابن عمر ، وقال : { وأحسبه قال في الخامسة : ثم إن شربها فاقتلوه } قال : وكذا في حديث غطيف : في الخامسة . وحديث جابر أخرجه أيضا النسائي ، وحديث قبيصة بن ذؤيب أخرجه أيضا الشافعي وعبد الرزاق وعلقه الترمذي .

                                                                                                                                            وأخرجه أيضا الخطيب عن ابن إسحاق عن الزهري عن قبيصة ، قال سفيان بن عيينة : حدث الزهري بهذا ، وعند منصور بن المعتمر ومخول بن راشد فقال لهما : كونا وافدي أهل العراق بهذا الحديث ، وقبيصة بن ذؤيب من أولاد الصحابة ولد عام الفتح . وقيل : إنه ولد أول سنة من الهجرة ، ولم يذكر له سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعده الأئمة من التابعين ، وذكروا أنه سمع الصحابة .

                                                                                                                                            قال المنذري : وإذا ثبت أن مولده أول سنة من الهجرة أمكن أن يكون سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قيل : إنه أتي به النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 176 ] وهو غلام يدعو له ، وذكر عن الزهري أنه كان إذا ذكر قبيصة بن ذؤيب قال : كان من علماء هذه الأمة ، وأما أبوه ذؤيب بن حلحلة فله صحبة انتهى . ورجال الحديث مع إرساله ثقات . وأعله الطحاوي بما أخرجه من طريق الأوزاعي أن الزهري راويه قال : بلغني عن قبيصة ولم يذكر أنه سمع منه ، وعورض بأنه رواه ابن وهب عن يونس قال : أخبرني الزهري أن قبيصة حدثه أنه بلغ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ويونس أحفظ لحديث الزهري من الأوزاعي .

                                                                                                                                            وأخرج عبد الرزاق عن ابن المنكدر مثله .

                                                                                                                                            وأما حديث أبي هريرة فقد قدمنا من أخرجه ومن صححه ، وفي الباب عن الشريد بن أوس الثقفي عند أحمد والأربعة والدارمي والطبراني وصححه الحاكم وعن شرحبيل عند أحمد والطبراني وابن منده ورجاله ثقات ، وعن أبي الرمداء براء مهملة مفتوحة وميم ساكنة ودال مهملة ، وبالمد عند الطبراني وابن منده ، وفي إسناده ابن لهيعة وفيه { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بضرب عنقه وأنه ضرب عنقه } فإن ثبت هذا كان فيه رد على من يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعمل به . وقد اختلف العلماء : هل يقتل الشارب بعد الرابعة أو لا ؟ فذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه يقتل ونصره ابن حزم واحتج له ودفع دعوى الإجماع على عدم القتل ، وهذا هو ظاهر ما في الباب عن ابن عمرو .

                                                                                                                                            وذهب الجمهور إلى أنه لا يقتل الشارب وأن القتل منسوخ . قال الشافعي : والقتل منسوخ بهذا الحديث وغيره يعني حديث قبيصة بن ذؤيب . ثم ذكر أنه لا خلاف في ذلك بين أهل العلم . وقال الخطابي : قد يرد الأمر بالوعيد ولا يراد به الفعل ، وإنما يقصد به الردع والتحذير . وقد يحتمل أن يكون القتل في الخامسة واجبا ثم نسخ بحصول الإجماع من الأمة على أنه لا يقتل انتهى . وحكى المنذري : عن بعض أهل العلم أنه قال : أجمع المسلمون على وجوب الحد في الخمر ، وأجمعوا على أنه لا يقتل إذا تكرر منه إلا طائفة شاذة قالت : يقتل بعد حده أربع مرات للحديث وهو عند الكافة منسوخ . ا هـ .

                                                                                                                                            وقال الترمذي : إنه لا يعلم في ذلك اختلافا بين أهل العلم في القديم والحديث ، وذكر أيضا في آخر كتابه الجامع في العلل أن جميع ما فيه معمول به عند البعض من أهل العلم إلا حديث " إذا سكر فاجلدوه " المذكور في الباب . وحديث الجمع بين الصلاتين . وقد احتج من أثبت القتل بأن حديث معاوية المذكور متأخر عن الأحاديث القاضية بعدم القتل ، لأن إسلام معاوية متأخر . وأجيب عن ذلك بأن تأخر إسلام الراوي لا يستلزم تأخر المروي لجواز أن يروي ذلك عن غيره من الصحابة المتقدم إسلامهم على إسلامه .

                                                                                                                                            وأيضا قد أخرج الخطيب في المبهمات عن إسحاق عن الزهري عن قبيصة أنه قال في حديثه السابق : { فأتي برجل من الأنصار يقال له نعيمان فضربه أربع مرات ، فرأى المسلمون أن القتل قد أخر } .

                                                                                                                                            وأخرج عبد الرزاق [ ص: 177 ] عن معمر عن سهيل وفيه قال : فحدثت به ابن المنكدر فقال : قد ترك ذلك . { وقد أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن النعيمان فجلده ثلاثا ثم أتي به الرابعة فجلده ولم يزده } وقصة النعيمان أو ابن النعيمان كانت بعد الفتح لأن عقبة بن الحارث حضرها فهي إما بحنين وإما بالمدينة ، ومعاوية أسلم قبل الفتح أو في الفتح على خلاف وحضور عقبة كان بعد الفتح .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية