الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3343 [ 1306 ] وعن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: كنا عند حذيفة، فقال رجل: لو أدركت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاتلت معه فأبليت . فقال حذيفة: أنت كنت تفعل ذلك؟! لقد رأيتنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقر، فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " ألا رجل يأتيني بخبر القوم؟ جعله الله معي يوم القيامة!" فسكتنا فلم يجبه منا أحد. ثم قال: "ألا رجل يأتينا بخبر القوم؟ جعله الله معي يوم القيامة!" فسكتنا فلم يجبه منا أحد. ثم قال: "ألا رجل يأتيني بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة!" فسكتنا فلم يجبه منا أحد. فقال: "قم يا حذيفة، فأتنا بخبر القوم". فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي أن أقوم، قال: "اذهب فأتني بخبر القوم، ولا تذعرهم علي!" فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام حتى أتيتهم، فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار، فوضعت سهما في كبد القوس، فأردت أن أرميه، فذكرت قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "لا تذعرهم علي". ولو رميته لأصبته، فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام، فلما أتيته فأخبرته خبر القوم وفرغت قررت، فألبسني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أزل نائما حتى أصبحت، فلما أصبحت قال: "قم يا نومان" .

                                                                                              رواه مسلم (1788).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقول الرجل : ( لو أدركت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاتلت معه فأبليت ) ; أي بالغت في ذلك ، واجتهدت فيه حتى يظهر مني ما يبتلى ; أي : ما يختبر. وقد تقدم : أن أصل هذا اللفظ : الاختبار . وأن فيه لغتين جمعهما زهير في قوله :


                                                                                              .......... فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو

                                                                                              وقد قيل : إن (بلا) في الخير ، و (أبلى) في الشر . ولما قال هذا الرجل هذا الكلام ولم يستثن فيه ، فهم منه حذيفة الجزم ، والقطع بأنه كذلك كان يفعل ، فأنكر [ ص: 647 ] ذلك عليه ، وأخبره بما يفهم منه: أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا أقوى في دين الله ، وأحرص على إظهاره ، وأحب في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وأشجع منك ، ومع ذلك فقد انتهت بهم الشدائد ، والمشاق إلى أن حصل منهم ما ذكره ، وإذا كان هذا فغيرهم بالضعف أولى. وحاصله : أن الإنسان ينبغي له ألا يتمنى الشدائد والامتحان ، فإنه لا يدري كيف يكون حاله فيها . فإن ابتلي صبر ، وإن عوفي شكر .

                                                                                              وقوله -صلى الله عليه وسلم- : ( من يأتيني بخبر القوم ؟ ) يتضمن إخباره -صلى الله عليه وسلم- بسلامة المار ، ورجوعه إليه .

                                                                                              وقوله : ( جعله الله معي في الجنة ) ; أي : مصاحبا لي ، وملازما حضرتي. وكل واحد منهما على منزلته في الجنة ، ومنزلة النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يلحقه فيها أحد .

                                                                                              وقوله : ( ولا تذعرهم علي ) ; الذعر : الفزع ; أي : لا تفزعهم ، فتهيجهم علي . و ( يصلي ظهره ) ; أي : يسخنه بالنار ، ومصدره : الصلاء- مكسورا ، ممدودا-. والصلى- مفتوحا ، مقصورا-.

                                                                                              [ ص: 648 ] وقوله : ( كأنما أمشي في حمام ) ; أي : لم يصبه شيء من ذلك البرد ببركة طاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وهي من كراماته ، ألا ترى أنه لما فرغ من ذلك العمل أخذه البرد كما كان أول مرة ؟! و ( كبد القوس ) : وسطها ، حيث يقبض الرامي . قال الخليل : كبد كل شيء : وسطه . و ( قررت ) ; أي : أصابني القر ، وهو : البرد. و ( العباءة ) - بفتح العين والمد- : هي الشملة ، وهي كساء يشتمل به ; أي : يلتف فيه . و ( نومان ) : كثير النوم . نسبه إلى ذلك ; لأنه نام حتى دخل عليه وقت صلاة الصبح .




                                                                                              الخدمات العلمية