الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء إذا أفلس للرجل غريم فيجد عنده متاعه

                                                                                                          1262 حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أيما امرئ أفلس ووجد رجل سلعته عنده بعينها فهو أولى بها من غيره قال وفي الباب عن سمرة وابن عمر قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول الشافعي وأحمد وإسحق وقال بعض أهل العلم هو أسوة الغرماء وهو قول أهل الكوفة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قال في النهاية أفلس الرجل إذا لم يبق له مال ، ومعناه : صارت دراهمه فلوسا ، وقيل صار إلى حال يقال : ليس معه فلس ، وقد أفلس يفلس إفلاسا فهو مفلس وفلسه الحاكم تفليسا . انتهى والغريم المديون .

                                                                                                          ( ووجد رجل سلعته عنده بعينها ) أي : بذاتها بأن تكون غير هالكة حسا ، أو معنى بالتصرفات الشرعية ( فهو ) أي : الرجل ( أولى بها ) أي : أحق بسلعته ( من غيره ) أي : من [ ص: 397 ] الغرماء .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن سمرة ) أخرجه أحمد ، وأبو داود ، وهو من رواية الحسن البصري عنه ، وفي سماعه منه خلاف معروف ، لكنه يشهد لصحته حديث الباب ( وابن عمر ) أخرجه ابن حبان بإسناد صحيح قاله في النيل . قوله : ( حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري ، ومسلم . قوله : ( والعمل على هذا عند بعض أهل العلم ، وهو قول الشافعي ، وأحمد وإسحاق ) قال في شرح السنة : العمل على هذا عند أكثر أهل العلم قالوا : إذا أفلس المشتري بالثمن ووجد البائع عين ماله ، فله أن يفسخ البيع ويأخذ عين ماله ، وإن كان قد أخذ بعض الثمن وأفلس بالباقي أخذ من ماله بقدر ما بقي من الثمن كما رواه البخاري قضى به عثمان رضي الله عنه ، وروي عن علي رضي الله عنه ، ولا نعلم لهما مخالفا من الصحابة ، وبه قال مالك والشافعي رحمهما الله . انتهى . قلت : وهو الحق ، وهو قول الجمهور ( وقال بعض أهل العلم هو أسوة الغرماء ) بضم الهمزة أي : هو مساو لهم وكواحد منهم يأخذ مثل ما يأخذون ، ويحرم مما يحرمون ( وهو قول أهل الكوفة ) وهو مذهب الحنفية ، قال في التعليق الممجد : ومذهب الحنفية في ذلك أن صاحب المتاع ليس بأحق لا في الموت ، ولا في الحياة ؛ لأن المتاع بعدما قبضه المشتري صار ملكا خالصا له ، والبائع صار أجنبيا منه كسائر أمواله . فالغرماء شركاء البائع فيه في كلتا الصورتين ، وإن لم يقبض . فالبائع أحق لاختصاصه به وهذا معنى واضح لولا ورود النص بالفرق وسلفهم في ذلك علي ، فإن قتادة روى عن خلاس بن عمرو عن علي أنه قال : هو أسوة الغرماء إذا وجدها بعينها ، وأحاديث خلاس عن علي ضعيفة ، وروي مثله عن إبراهيم النخعي ، ومن المعلوم أن كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا عبرة بالرأي بعد ورود نصه ، كذا حققه ابن عبد البر والزرقاني . انتهى ، واعلم أن الحنفية قد اعتذروا عن العمل بأحاديث الباب باعتذارات كلها واهية . فمنها - أنها مخالفة للأصول ، وفساد هذا الاعتذار ظاهر ، فإنه السنة الصحيحة هي من جملة الأصول فلا يترك العمل بها إلا لما هو أنهض منها ، ومنها - أنها محمولة على ما إذا كان المتاع وديعة ، أو عارية ، أو لقطة وفساد هذا الاعتذار أيضا ظاهر فإنه لو كان كذلك لم يقيد بالإفلاس ، ولا جعل أحق بها لما تقتضيه صيغة أفعل من الاشتراك ، ويرد هذا الاعتذار أنه وقع في رواية لمسلم والنسائي أنه لصاحبه الذي باعه ، وفي رواية لابن حبان : إذا أفلس الرجل فوجد البائع سلعته ، وكذلك وقع في عدة روايات ما يدل صراحة على أنها واردة في صورة البيع ، قال الحافظ في الفتح : فظهر بهذا أن الحديث وارد في صورة [ ص: 398 ] البيع ، ويلتحق به القرض وسائر ما ذكر يعني : من العارية والوديعة بالأولى ، ومنها أنها محمولة على ما إذا أفلس المشتري قبل أن يقبض السلعة ، ويرد هذا الاعتذار أنه وقع في حديث سمرة عند مفلس ، وفي حديث أبي هريرة عند رجل ، وفي رواية لابن حبان : ثم أفلس ، وهي عنده : إذا أفلس الرجل وعنده متاع .




                                                                                                          الخدمات العلمية