الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2886 ) فصل : وإذا باع شجرا فيه ثمر للبائع ، فحدثت ثمرة أخرى ، أو اشترى ثمرة في شجرها ، فحدثت ثمرة أخرى ، فإن تميزتا ، فلكل واحد ثمرته ، وإن لم تتميز إحداهما من الأخرى ، فهما شريكان فيهما ، كل واحد بقدر ثمرته . فإن لم يعلم قدر كل واحدة منهما ، اصطلحا عليها ، ولا يبطل العقد ; لأن المبيع لم يتعذر تسليمه ، وإنما اختلط بغيره ، فهو كما لو اشترى طعاما في مكان ، فانثال عليه طعام للبائع ، أو انثال هو على طعام للبائع ، ولم يعرف قدر كل واحد منهما . ويفارق هذا ما لو اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها ، فتركها حتى بدا صلاحها ، أو اشترى عرية ، فتركها حتى أثمرت ، فإن العقد يبطل في إحدى الروايتين ; لكون اختلاط المبيع بغيره حصل بارتكاب النهي ، وكونه يتخذ حيلة على شراء الثمرة قبل بدو صلاحها ، أو شراء الرطب بالتمر من غير كيل من غير حاجة إلى أكله رطبا ، وها هنا ما ارتكب نهيا ، ولا يجعل هذا طريقا إلى فعل المحرم .

                                                                                                                                            وجمع أبو الخطاب بينهما ، فقال : في الجميع روايتان ; إحداهما ، يبطل العقد . والأخرى ، لا يبطل . وقال القاضي : إن كانت الثمرة للبائع ، فحدثت ثمرة أخرى ، قيل لكل واحد : اسمح بنصيبك لصاحبك . فإن فعله أحدهما ، أقررنا العقد وأجبرنا الآخر على القبول ; لأنه يزول به النزاع . وإن امتنعا ، فسخنا العقد ; لتعذر وصول كل واحد منهما إلى قدر حقه . وإن اشترى ثمرة ، فحدثت ثمرة أخرى ، لم نقل للمشتري : اسمح بنصيبك ; لأن الثمرة كل المبيع ، فلا يؤمر بتخليته كله ، ونقول للبائع ذلك ، فإن سمح بنصيبه للمشتري أجبرناه على القبول ، وإلا فسخ البيع بينهما ، وهذا مذهب الشافعي .

                                                                                                                                            قال ابن عقيل : لعل هذا قول لبعض أصحابنا ، فإنني لم أجده معزيا إلى أحمد . والظاهر أن هذا اختيار القاضي ، وليس بمذهب لأحمد . ولو اشترى حنطة ، فانثالت عليها أخرى ، لم ينفسخ البيع ، والحكم فيه كالحكم في الثمرة تحدث معها أخرى . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية