الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب الحنوط للميت

                                                                                                                                                                                                        1207 حدثنا قتيبة حدثنا حماد عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال بينما رجل واقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة إذ وقع من راحلته فأقصعته أو قال فأقعصته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب الحنوط للميت ) ؛ أي غير المحرم .

                                                                                                                                                                                                        أورد فيه حديث ابن عباس المذكور عن شيخ آخر ، وشاهد الترجمة قوله : " ولا تحنطوه " . ثم علل ذلك بأنه يبعث ملبيا ، فدل على أن سبب النهي أنه كان محرما ، فإذا انتفت العلة انتفى النهي ، وكأن الحنوط للميت كان مقررا عندهم . وكذا قوله : لا تخمروا رأسه . ؛ أي لا تغطوه ، قال البيهقي : فيه دليل على أن غير المحرم يحنط كما يخمر رأسه ، وأن النهي إنما وقع لأجل الإحرام خلافا لمن قال من المالكية وغيرهم : إن الإحرام ينقطع بالموت فيصنع بالميت ما يصنع بالحي . قال ابن دقيق العيد : وهو مقتضى القياس ، لكن الحديث بعد أن ثبت يقدم على القياس . وقد قال بعض المالكية : إثبات الحنوط في هذا الخبر بطريق المفهوم من منع الحنوط للمحرم ، ولكنها واقعة حال يتطرق الاحتمال إلى منطوقها ، فلا يستدل بمفهومها . وقال بعض الحنفية : هذا الحديث ليس عاما بلفظه ، لأنه في شخص معين . ولا بمعناه ، لأنه لم يقل : يبعث ملبيا لأنه محرم ، فلا يتعدى حكمه إلى غيره إلا بدليل منفصل . وقال ابن بزيزة : وأجاب بعض أصحابنا عن هذا الحديث بأن هذا مخصوص بذلك الرجل ، لأن إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه يبعث ملبيا شهادة بأن حجه قبل ، وذلك غير محقق لغيره ، وتعقبه ابن دقيق العيد بأن هذه العلة إنما ثبتت لأجل الإحرام ، فتعم كل محرم ، وأما القبول وعدمه فأمر مغيب . واعتل بعضهم بقوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وبقوله صلى الله عليه وسلم : إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث . وليس هذا منها [ ص: 164 ] فينبغي أن ينقطع عمله بالموت ، وأجيب بأن تكفينه في ثوبي إحرامه ، وتبقيته على هيئة إحرامه من عمل الحي بعده ، كغسله والصلاة عليه ، فلا معنى لما ذكروه . وقال ابن المنير في الحاشية : وقد قال صلى الله عليه وسلم في الشهداء : زملوهم بدمائهم مع قوله : والله أعلم بمن يكلم في سبيله . فعمم الحكم في الظاهر بناء على ظاهر السبب ، فينبغي أن يعمم الحكم في كل محرم ، وبين المجاهد والمحرم جامع ، لأن كلا منهما في سبيل الله . وقد اعتذر الداودي ، عن مالك ، فقال : لم يبلغه هذا الحديث . وأورد بعضهم أنه لو كان إحرامه باقيا لوجب أن يكمل به المناسك ، ولا قائل به . وأجيب بأن ذلك ورد على خلاف الأصل ، فيقتصر به على مورد النص ، ولا سيما وقد وضح أن الحكمة في ذلك استبقاء شعار الإحرام كاستبقاء دم الشهيد .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية