الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( أما ) الأول : فبيانه في مسائل ، وكذا إذا قال : بعتك أحد هذه الأثواب الأربعة [ ص: 157 ] بكذا وذكر خيار التعيين أو سكت عنه أو قال : بعتك أحد هذين الثوبين أو أحد هذه الأثواب الثلاثة بكذا وسكت عن الخيار ، فالبيع فاسد ; لأن المبيع مجهول ، ولو ذكر الخيار بأن قال : على أنك بالخيار تأخذ أيها شئت بثمن كذا وترد الباقي فالقياس أن يفسد البيع وفي الاستحسان لا يفسد .

                                                                                                                                ( وجه ) القياس أن المبيع مجهول ; لأنه باع أحدهما غير عين وهو غير معلوم فكان المبيع مجهولا فيمنع صحة البيع ، كما لو باع أحد الأثواب الأربعة وذكر الخيار .

                                                                                                                                ( وجه ) الاستحسان الاستدلال بخيار الشرط والجامع بينهما مساس الحاجة إلى دفع الغبن ، وكل واحد من الخيارين طريق إلى دفع الغبن ، وورود الشرع هناك يكون ورودا ههنا ، والحاجة تندفع بالتحري في ثلاثة لاقتصار الأشياء على الجيد والوسط والرديء فيبقى الحكم في الزيادة مردودا إلى أصل القياس ; ولأن الناس تعاملوا هذا البيع لحاجتهم إلى ذلك فإن كل أحد لا يمكنه أن يدخل السوق فيشتري ما يحتاج إليه خصوصا الأكابر والنساء فيحتاج إلى أن يأمر غيره ولا تندفع حاجته بشراء شيء واحد معين من ذلك الجنس لما عسى لا يوافق الآمر فيحتاج إلى أن يشتري أحد اثنين من ذلك الجنس فيحملهما جميعا إلى الآمر فيختار أيهما شاء بالثمن المذكور ويرد الباقي ، فجوزنا ذلك لتعامل الناس ولا تعامل فيما زاد على الثلاثة فبقي الحكم فيه على أصل القياس وقوله : المعقود عليه مجهول قلنا : هذا ممنوع فإنه إذا شرط الخيار بأن قال : على أن تأخذ أيهما شئت فقد انعقد البيع موجبا للملك عند اختياره لا للحال ، والمعقود عليه عند اختياره معلوم مع أن هذه جهالة لا تفضي إلى المنازعة ; لأنه فوض الأمر إلى اختيار المشتري يأخذ أيهما شاء فلا تقع المنازعة .

                                                                                                                                وهل يشترط بيان المدة في هذا الخيار ؟ اختلف المشايخ فيه لاختلاف ألفاظ محمد في هذه المسألة في الكتب فذكر في الجامع الصغير : على أن يأخذ المشتري أيهما شاء وهو فيه بالخيار ثلاثة أيام وذكر في الأصل : على أن يأخذ أيهما شاء بألف ولم يذكر الخيار فقال بعضهم : لا يجوز هذا البيع إلا بذكر مدة خيار الشرط وهو ثلاثة أيام فما دونها عند أبي حنيفة رحمه الله ، وعندهما : الثلاث وما زاد عليها بعد أن يكون معلوما ، وهو قول الكرخي والطحاوي رحمهما الله وقال بعضهم يصح من غير ذكر المدة .

                                                                                                                                ( وجه ) قول الأولين : أن المبيع لو كان ثوبا واحدا معينا وشرط فيه الخيار كان بيان المدة شرط الصحة بالإجماع ، فكذا إذا كان واحدا غير معين ، والجامع بينهما أن ترك التوقيت تجهيل لمدة الخيار وأنه مفسد للبيع ; لأن للمشتري أن يردهما جميعا ، والثابت بخيار التعيين رد أحدهما وهذا حكم خيار الشرط فلا بد من ذكر مدة معلومة .

                                                                                                                                ( وجه ) قول الآخرين : إن توقيت الخيار في المعين إنما كان شرطا ; لأن الخيار فيه يمنع ثبوت الحكم للحاجة إلى دفع الغبن بواسطة التأمل فكان في معنى الاستثناء فلا بد من التوقيت ليصح استثناء ذلك في الوقت عن ثبوت حكم البيع فيه ، وخيار التعيين لا يمنع ثبوت الحكم بل يثبت الحكم في أحدهما غير عين ، وإنما يمنع تعين المبيع لا غير ، فلا يشترط له بيان المدة والله سبحانه وتعالى أعلم والدليل على التفرقة بينهما أن خيار الشرط لا يورث على أصل أصحابنا ، وخيار التعيين يورث بالإجماع ، إلا أن للمشتري أن يردهما جميعا لا حكما لخيار الشرط المعهود ليشترط له بيان المدة بل لأن البيع المضاف إلى أحدهما غير لازم فكان محلا للفسخ كالبيع بشرط خيار معهود على ما نذكر إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية