الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) أول وقت العشاء فحين يغيب الشفق بلا خلاف بين أصحابنا ، لما روي في خبر أبي هريرة رضي الله عنه وأول وقت العشاء حين يغيب الشفق واختلفوا في تفسير الشفق ، فعند أبي حنيفة هو البياض ، وهو مذهب أبي بكر وعمر ومعاذ وعائشة رضي الله عنهم ، وعند أبي يوسف ومحمد والشافعي هو الحمرة ، وهو قول عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم وهو رواية أسد بن عمرو عن أبي حنيفة .

                                                                                                                                ( وجه ) قولهم ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا تزال أمتي بخير ما عجلوا المغرب وأخروا العشاء وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء بعد مضي ثلث الليل } ، فلو كان الشفق هو البياض لما كان مؤخرا لها ، بل كان مصليا في أول الوقت ; لأن البياض يبقى إلى ثلث الليل خصوصا في الصيف ولأبي حنيفة النص والاستدلال .

                                                                                                                                ( أما ) النص فقوله تعالى : { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل } ، جعل الغسق غاية لوقت المغرب ، ولا غسق ما بقي النور المعترض .

                                                                                                                                وروي عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال : آخر وقت المغرب ما لم يسقط نور الشفق وبياضه ، والمعترض نوره وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه وإن آخر وقت المغرب حين يسود الأفق ، وإنما يسود بإخفائها بالظلام .

                                                                                                                                ( وأما ) الاستدلال فمن وجهين : لغوي ، وفقهي ، أما اللغوي فهو أن الشفق اسم لما رق ، يقال : ثوب شفيق أي رقيق ، إما من رقة النسج وإما لحدوث رقة فيه من طول اللبس ، ومنه الشفقة وهي رقة القلب من الخوف أو المحبة ، ورقة نور الشمس باقية ما بقي البياض .

                                                                                                                                وقيل الشفق اسم لرديء الشيء وباقيه ، والبياض باقي آثار الشمس وأما الفقهي فهو أن صلاتين تؤديان في أثر الشمس وهما المغرب مع الفجر ، وصلاتين تؤديان في وضح النهار وهما الظهر والعصر ، فيجب أن يؤدي صلاتين في غسق الليل بحيث لم يبق أثر من آثار الشمس وهما العشاء والوتر ، وبعد غيبوبة البياض لا يبقى أثر للشمس ، ولا حجة لهم في الحديث ; لأن البياض يغيب قبل مضي ثلث الليل غالبا وأما آخر وقت العشاء فحين يطلع الفجر الصادق عندنا ، وعند الشافعي قولان : في قول حين يمضي ثلث الليل ; لأن جبريل عليه السلام صلى في المرة الثانية بعد مضي ثلث الليل ، وكان ذلك بيانا لآخر الوقت ، وفي قول يؤخر إلى آخر نصف الليل بعذر السفر ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخر ليلة إلى النصف ثم قال : هو لنا بعذر السفر ( ولنا ) ما روى أبو هريرة وأول وقت العشاء حين يغيب الشفق ، وآخره حين يطلع الفجر .

                                                                                                                                وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا يدخل وقت صلاة حتى يخرج وقت أخرى } وقت عدم دخول وقت الصلاة إلى غاية خروج وقت صلاة أخرى ، فلو لم يثبت الدخول عند الخروج لم يتوقف ; ولأن الوتر من توابع العشاء ويؤدى في وقتها ، وأفضل وقتها السحر دل أن السحر آخر وقت العشاء ; ولأن أثر السفر في قصر الصلاة لا في زيادة الوقت ، وإمامة جبريل عليه السلام كان تعليما لآخر الوقت المستحب ، ونحن نقول : إن ذلك ثلث الليل .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية