الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أنه اعتمر مع عمر بن الخطاب في ركب فيهم عمرو بن العاص وأن عمر بن الخطاب عرس ببعض الطريق قريبا من بعض المياه فاحتلم عمر وقد كاد أن يصبح فلم يجد مع الركب ماء فركب حتى جاء الماء فجعل يغسل ما رأى من ذلك الاحتلام حتى أسفر فقال له عمرو بن العاص أصبحت ومعنا ثياب فدع ثوبك يغسل فقال عمر بن الخطاب واعجبا لك يا عمرو بن العاص لئن كنت تجد ثيابا أفكل الناس يجد ثيابا والله لو فعلتها لكانت سنة بل أغسل ما رأيت وأنضح ما لم أر قال مالك في رجل وجد في ثوبه أثر احتلام ولا يدري متى كان ولا يذكر شيئا رأى في منامه قال ليغتسل من أحدث نوم نامه فإن كان صلى بعد ذلك النوم فليعد ما كان صلى بعد ذلك النوم من أجل أن الرجل ربما احتلم ولا يرى شيئا ويرى ولا يحتلم فإذا وجد في ثوبه ماء فعليه الغسل وذلك أن عمر أعاد ما كان صلى لآخر نوم نامه ولم يعد ما كان قبله

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          116 114 - ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ) بن أبي بلتعة بفتح الموحدة والفوقية بينهما لام ساكنة ثم مهملة تابعي ثقة روى له مسلم والأربعة ، مات سنة أربع ومائة ، ولأبيه عبد الرحمن رؤية وعدوه في كبار الثقات التابعين من حيث الرواية وجده صحابي شهير بدري ، قال أبو عبد الملك : هذا مما عد أن مالكا وهم فيه لأن أصحاب هشام الفضل بن فضالة وحماد بن سلمة ومعمرا قالوا عن هشام عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه فسقط لمالك عن أبيه ( أنه اعتمر مع عمر بن الخطاب في ) أي مع ( ركب فيهم عمرو بن العاصي ) بالياء وحذفها والصحيح بالياء .

                                                                                                          ( وأن عمر بن الخطاب عرس ) بمهملات مثقلا نزل آخر الليل للاستراحة ( ببعض الطريق قريبا من بعض المياه ) رفقا بالركب ( فاحتلم عمر وقد كاد أن يصبح فلم يجد مع الركب ماء ) يغتسل به ويغسل ثوبه .

                                                                                                          ( فركب حتى جاء الماء ) الذي عرس بقربه ( فجعل يغسل ما رأى من ذلك الاحتلام حتى أسفر فقال له عمرو بن العاصي : أصبحت ) دخلت في الصباح ( ومعنا ثياب فدع ثوبك يغسل ) بتمامه والبس ثوبا من ثيابنا .

                                                                                                          ( فقال عمر بن الخطاب : واعجبا لك يا عمرو بن العاصي لئن كنت ) بفتح تاء الخطاب ( تجد ثيابا أفكل الناس يجد ثيابا ؟ والله لو فعلتها ) أنا ( لكانت سنة ) طريقة أتبع فيها فيشق على الناس الذين لا يجدون ثيابا .

                                                                                                          قال الباجي : قول عمر ذلك لعله بمكانه من قلوب المسلمين ولاشتهار قوله - صلى الله عليه وسلم - : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي " فخشي التضييق على من ليس له إلا ثوب [ ص: 209 ] واحد .

                                                                                                          ( بل أغسل ما رأيت وأنضح ما لم أر ) أي أرشه وهو عند العلماء طهر لما شك فيه كأنه دفع للوسوسة ، وأباه بعضهم وقال : لا يزيده النضح إلا انتشارا ، قاله ابن عبد البر .

                                                                                                          وقال الباجي : مقتضاه وجوب النضح لأنه لا يشتغل عن الصلاة بالناس مع ضيق الوقت إلا بأمر واجب مانع للصلاة .

                                                                                                          وقال أبو حنيفة والشافعي : لا ينضح بالشك وهو على طهارته .

                                                                                                          ( قال مالك في رجل وجد في ثوبه أثر احتلام ولا يدري متى كان ولا يذكر شيئا رأى في منامه قال : ليغتسل من أحدث ) أقرب أي آخر ( نوم نامه فإن كان صلى بعد ذلك النوم ) الأخير ( فليعد ما كان صلى بعد ذلك النوم ) لا ما صلاه قبل النوم الأخير فلا إعادة لأنه شك طرأ بعد كمال الصلاة وبراءة الذمة فلا يؤثر فيها لحدوثه بعد تيقن سلامة العبادة ، وعلل ذلك أي عدم إعادته ما صلاه قبل آخر نوم بقوله : ( من أجل أن الرجل ربما احتلم ) رأى أنه يجامع ( ولا يرى شيئا ) أي منيا ( ويرى ) المني في ثوبه ( ولا يحتلم ) لا يرى أنه يجامع ( فإذا وجد في ثوبه ماء فعليه الغسل ) وجوبا ( وذلك أن عمر أعاد ما كان صلى لآخر نوم نامه ولم يعد ما كان قبله ) ولا فرق بين أن يكون لا ينام إلا في ذلك الثوب الذي رأى فيه المني أو كان ينام فيه في بعض الأوقات ; لأن الذي ينام فيه أبدا تيقن أن ما صلى بعد آخر نومة على حدث وشك فيما قبل وكذلك حال ما نام فيه مرة وفي غيره أخرى ، قاله الباجي .




                                                                                                          الخدمات العلمية