الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعنه قال قال رسول الله : دخلت امرأة النار من جراء هرة لها ، أو هر ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها ترمم من خشاش الأرض حتى ماتت هزلا رواه مسلم .

                                                            قال الزهري (ذلك لأن لا يتكل رجل ولا ييأس رجل) .

                                                            التالي السابق


                                                            [ ص: 242 ] (الحديث السادس) وعنه قال رسول الله : دخلت امرأة النار من جراء هرة لها ، أو هر ربطتها فلا هي أطعمتها ولا أرسلتها ترمم من خشاش الأرض حتى ماتت هزلا (فيه) فوائد : (الأولى) أخرجه من هذا الوجه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق واتفق عليه الشيخان من طريق عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري وأخرجه مسلم أيضا من طريق هشام بن عروة عن أبيه ومن طريق الزهري عن حميد بن عبد الرحمن كلهم عن أبي هريرة .

                                                            (الثانية) قال أبو العباس القرطبي هذه المرأة التي رآها النبي .

                                                            في النار هي امرأة طويلة من بني إسرائيل ، كذا في رواية لمسلم ، وفي أخرى له أنها حميرية وسنذكرها بعد ذلك وحمير قبيلة من العرب وليسوا من بني إسرائيل .

                                                            (الثالثة) قوله من جراء بفتح الجيم وتشديد الراء مقصورة ويجوز فيه المد أيضا يقال فعلته من جراك ومن جرائك أي من أجلك ويجوز في قوله أجلك فتح الهمزة وكسرها .

                                                            (الرابعة) الهر ذكر السنور والأنثى هرة فتردد في هذه الرواية هل كان ذكرا ، أو أنثى ويجمع الهر على هررة كقرد وقردة والهرة على هرر كقربة وقرب .

                                                            (الخامسة) هذا الحديث صريح في أن هذه المرأة إنما عذبت بسبب قتل هذه الهرة بالحبس وترك الطعام وقال القاضي عياض يحتمل أن يكون هذا العذاب بالنار ، أو يكون بالحساب على ذلك فمن نوقش في الحساب عذب ، أو تكون هذه المرأة كافرة فعذبت بكفرها وزيدت عذابا بسيئ أعمالها ، وكان منها هذا إذ لم تكن مؤمنة فتغفر [ ص: 243 ] صغائرها باجتناب الكبائر وقال أبو العباس القرطبي هل كانت كافرة ، أو لا ، كل محتمل وقال النووي الصواب أنها كانت مسلمة وأنها دخلت النار بسبب هذه الهرة كما هو ظاهر هذا الحديث وهذه المعصية ليست صغيرة بل صارت بإصرارها كبيرة وليس في هذا الحديث أنها تخلد في النار (قلت) ومن هنا استدل به المصنف رحمه الله على ترجيح جانب الخوف والله أعلم .

                                                            (السادسة) قال أبو العباس القرطبي فإن كانت كافرة فيه دليل على أن الكفار مخاطبون بالفروع ومعاقبون على تركها ، وإن لم تكن كافرة فقد تمحض أن سبب تعذيبها في النار حبس الهرة إلى أن ماتت جوعا ففيه من الفقه أن الهر لا يتملك وأنه لا يجب إطعامه إلا على من حبسه (قلت) ليس فيه دليل على أنه لا يتملك فإنه إنما حكى فيه واقعة خاصة وهي تعذيبها على حبسه حتى أفضى إلى تلفه ولا دلالة فيه على حكم غير حالة الحبس هل فيها إثم بسبب ترك الإنفاق لكونه مملوكا أم لا وقال النووي فيه وجوب نفقة الحيوان على مالكه انتهى .

                                                            وفيه نظر ، فإنه ليس فيه تصريح بأن الهرة كانت مملوكة لها لكنه أقرب مما ذكره القرطبي لإمكان استنباط كونها مملوكة لها من الإضافة في قوله لها فإن ظاهرها الملك وأيضا فقد يكون استدلاله بطريق القياس ووجهه أنها إذا عذبت على إتلافها بالحبس دل ذلك على أنها محترمة وحينئذ فتجب نفقتها إذا ملكت كسائر المحترمات .

                                                            وأما الاستدلال به على أنها لا تملك فضعيف جدا لا وجه له والله أعلم .



                                                            (السابعة) قد يستدل به على أن مجرد ربط الحيوان المملوك ليس حراما لأنه لم يرتب الذم إلا على ترك إطعامها وإرسالها وقال النووي فيه دليل لتحريم قتل الهرة وتحريم حبسها بغير طعام ، أو شراب .

                                                            (الثامنة) قوله ترمم روي بوجهين (أحدهما) بفتح التاء والميم الأولى وتشديدها على حذف إحدى التاءين و .

                                                            (الثاني) بضم التاء وكسر الميم الأولى وتشديدها والمراد تناول ذلك بشفتيها .

                                                            (التاسعة) قوله من خشاش الأرض هو بفتح الخاء المعجمة وكسرها وضمها ثلاث لغات حكاهن في المشارق قال النووي والفتح أشهر قال وروي بالحاء المهملة والصواب المعجمة وهي هوام الأرض وحشراتها ويدل لذلك قوله في رواية لمسلم في صحيحه من حشرات [ ص: 244 ] الأرض وقيل صغار الطير وقيل : المراد به نبات الأرض ، قال النووي : وهو ضعيف ، أو غلط .



                                                            (العاشرة) فيه دليل على أن بعض الناس معذب بدخول النار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم تكن إلا هذه الرواية لأمكن تأويلها على معنى أنها ستدخل وأن ذلك الأمر لما كان محقق الوقوع أخبر به قبل وقوعه كما في قوله تعالى أتى أمر الله ونظائره ، لكن في حديث الكسوف في الصحيح من حديث جابر وعرضت علي النار فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها ربطتها فلم تطعمها ، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض ، ورأيت أبا ثمامة عمرو بن مالك يجر قصبه في النار وفي بعض ألفاظه " ورأيت في النار امرأة حميرية سوداء طويلة " ولم يقل من بني إسرائيل ، وفي لفظ آخر لقد جيء بالنار وذلك حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها وحتى رأيت فيها صاحب المحجن يجر قصبه في النار كأنه يسرق الحاج بمحجنه ، فإن فطن له قال إنما تعلق بمحجني ، وإن غفل عنه ذهب به ، وحتى رأيت فيها صاحبة الهرة التي ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعا ، وفي الصحيح أيضا من حديث عائشة في الكسوف ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا حين رأيتموني تأخرت ورأيت فيها عمرو بن لحي ، وهو الذي سيب السوائب وهذا صريح في مشاهدته صلى الله عليه وسلم لذلك .

                                                            (الحادية عشرة) قوله هزلا ) رويناه وضبطناه بضم الهاء وإسكان الزاي ويجوز فيه فتح الهاء أيضا ، وهو الهزال قال في المحكم هزل الرجل والدابة هزالا ، وهزل يهزل هزلا وهزالا ، قال في الصحاح ؟ الهزال ضد السمن يقال هزلت الدابة هزالا على ما لم يسم فاعله وهزلتها أنا هزلا .




                                                            الخدمات العلمية