الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3349 (26) باب

                                                                                              فيما لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- من أذى قريش

                                                                                              [ 1312 ] عن ابن مسعود قال: بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس، وقد نحرت جزور بالأمس فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه ، فيضعه على كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم -وفي رواية: عقبة بن أبي معيط - ، فأخذه فلما سجد النبي -صلى الله عليه وسلم- وضعه بين كتفيه، قال: فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض، وأنا قائم أنظر ، لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ساجد لا يرفع رأسه، حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة، فجاءت -وهي جويرية- فطرحته عنه، ثم أقبلت عليهم تشتمهم، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاته، رفع صوته ثم دعا عليهم، وكان إذا دعا دعا ثلاثا، وإذا سأل ، سأل ثلاثا، ثم قال: " اللهم عليك بقريش. ( ثلاث مرات)" . فلما سمعوا صوته، ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته، ثم قال: "اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عقبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط". قال أبو إسحاق. وذكر السابع ولم أحفظه، فوالذي بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم- بالحق، لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب ، قليب بدر ، قال أبو إسحاق: الوليد بن عقبة، غلط في هذا الحديث.

                                                                                              وفي رواية : الوليد بن عتبة .

                                                                                              رواه أحمد ( 1 \ 393 )، والبخاري (240)، ومسلم (1794) (107 و 109).

                                                                                              [ ص: 652 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 652 ] (26) ومن باب: ما لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- من أذى المشركين

                                                                                              الجزور من الإبل : ما يجزر ; أي : يقطع . والجزرة من الشاء ، و ( سلاها ) مقصورا ، مفتوح السين : هي الجلدة التي يكون فيها الولد ، كاللفافة يقال لها من سائر البهائم : سلى ، ومن بني آدم : المشيمة .

                                                                                              وقوله : ( فاستضحكوا ) بضم التاء ، وكسر الحاء مبنيا لما لم يسم فاعله ; أي : أضحكوا ، ومال بعضهم على بعض مبالغة في الضحك والاستهزاء . و ( منعة ) بسكون النون ; أي : منع وقوة ; وإنما قال ابن مسعود -رضي الله عنه- ذلك ; لأنه لم تكن له عشيرة فيهم ; لأنه من هذيل ، فلم يكن له قوم يمتنع بهم ، ولا يمنع غيره . وقد روي : ( ومنعة ) بالفتح : جمع مانع ، ككاتب وكتبة . واستمرار النبي -صلى الله عليه وسلم- على سجوده والنجاسة عليه يدل لمن قال : إن إزالة النجاسة ليست بواجبة . وهو [ ص: 653 ] قول أشهب من أصحابنا ، كما تقدم في الطهارة ، على أن بعض علمائنا قال : إن السلى لم تكن فيها نجاسة محققة . ومنهم من قال بموجبه ، ففرق بين ابتداء الصلاة بالنجاسة ; فقال : لا يجوز . وبين طروئها على المصلي في نفس الصلاة فقال : يطرحها عنه ، وتصح صلاته ، والمشهور من مذهب مالك - رحمه الله - : قطع طروئها للصلاة إذا لم يمكن طرحها ، بناء على أن إزالتها واجبة . وإقبال فاطمة رضي الله عنها على أشراف قريش وكبرائهم تسبهم وتلعنهم دليل على قوة نفسها من صغرها ، وعلى عزتها وشرفها في قومها .

                                                                                              وخوفهم من دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- دليل على علمهم بفضله وبصحة حاله ، ومكانته عند الله تعالى ، وأنه من الله تعالى بحيث يجيبه إذا دعاه ، ولكن لم ينتفعوا بذلك الحسد والشقوة الغالبة عليهم .

                                                                                              ووقع هنا في أصل كتاب مسلم : الوليد بن عقبة - عند جميع رواته- ، وصوابه : الوليد بن عتبة كما قال في الرواية الأخرى .

                                                                                              وقول أبي إسحاق : ( لم أحفظ السابع ) . ذكر البخاري : أنه عمارة بن الوليد ، وكذلك ذكره البرقاني .

                                                                                              وقول ابن مسعود : ( لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر ) ; يعني به : أكثرهم ، وإلا فعمارة بن الوليد ; ذكر أهل السير : أنه هلك في أرض الحبشة حين [ ص: 654 ] اتهمه النجاشي فنفخ في إحليله سحرا ، فهام على وجهه في البرية فهلك . ويدل على ذلك أيضا : أن عقبة بن أبي معيط لم يقتل ببدر ، بل حمل منها أسيرا حتى قتله النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرق الظبية صبرا .

                                                                                              و ( القليب ) : البئر غير المطوية .

                                                                                              وإجابة الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- في مثل هذا الدعاء من أدلة نبوته ، وصحتها .

                                                                                              و ( سحبوا ) : جروا على وجوههم .




                                                                                              الخدمات العلمية