الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الإعـلان من منظـور إسلامي

الدكتور / أحمد عيساوي

الإعلان الإسلامي: أنواعه.. مـجالاته

تمهيد

قد يكون من المفيد أن نستهل الحديث عن أنواع الإعلان الإسلامي ومجالاته، بتقديم نموذج إعلاني غربي حديث يعكس مدى الفوضى القيمية، والتخبط الأخلاقي، والضياع الروحي، الذي آلت إليه الفلسفة الإعلانية الغربية الوثنية.

ففي مسابقة إعلانية عامة لاختيار أحسن إعلان في بريطانيا، تنافست سائر الوكالات الإعلانية لتقديم عروضها، وقد فاز أحد [ ص: 110 ] الإعلانات لشركة (أوغليفي) ، واحتل موقع الصدارة، لأنه أكثر إبداعا وفنية وتقنية وإخراجا من غيره، حيث احتوى على قرابة المائتي كلب يركضون محمومين، ويتسابقون لاهثين عبر منطقة كلها بحيرات وأنهار، نحو البضاعة التي تعلن عنها الشركة.

[1]

والمتمعن في هذا الإعلان الذي فاز على غيره من الإعلانات، يتبين بوضوح مدى تبوأ الكلاب والقطط والدواب وسائر الحيوانات مكان المرأة في فنيات الإخراج الإعلاني. وقد تبين بعد إجراء العديد من الدراسات في الغرب نفسه، أن وجود عنصر المرأة أمام السلعة كعامل جذب لجمهور المستهلكين قد تحول وصار عامل منافسة داخلية مهم، يحول أنظار الجمهور من السلعة إلى المرأة. [2]

هكذا إذن تفشل المرأة -بكل جاذبيتها، وتوظيف عناصرها الجمالية- لتكون عامل جذب رئيس، ولتحل محلها الكلاب والقطط والدواب وسـائر الحيوانـات! وهذا إن دل على شيء فـإنما يدل دلالة قطـعية على حالة التذبذب والمور التي تميد فيها الفلسفة الإعلانية [ ص: 111 ] الغربية، التي لم تعرف الاستقرار يوما، فهي تارة تمتهن المرأة، وتارة أخرى تمتهن الرجل، وتارة ثالثة تمتهنهما معا، لتنتقل إلى امتهان جديد للإنسان ولكرامته البشرية، عبر وضعه في موضع المستهلك المحموم مثل سائر الحيوانات.

إن هذا الإعلان الفائز في الغرب على سائر الإعلانات الأخرى، يدل دلالة قطعية على مدى الاختلال المرجعي الذي تعانيه الفلسفة الإعلانية الغربية، ويكشف مدى تحكم عالم الهوى فيها، وهي التي تنطلق من الأسس الوضعيـة الليـبيرالية الوثنية الحديـثة، كما يشـير إلى عدم وضـوح أنـواع الإعلان الغـربي ومجـالاته، وتنصـلها حتى من أطرها الوضـعية.

وعلى العكس من وضعية الموران التي تعيشها الفلسفة الإعلانية الغربية، فإن الإعلان الإسلامي بما يمتلك من مبادئ مرجعية ضابطة لفلسفته الإعلامية والإعلانية، يستطيع أن يحدد بدقة الأصول العامة لأنواعه، وأن يضبط مجالاتها الرئيسة، وأن يحدد أطرها الشرعية العامة، في مناهج سيرها، وتفاعلها الذاتي والخارجي.

ومن الأطر المرجعية التي أصلنا بها لفلسفة الإعلان الإسـلامي، يمكـن -بعـون الله- تحديد أنواع الإعـلان الإسـلامي، فيما يلي:

1- الإعلان السلعي

وهو الإعلان الذي يهدف بالأساس إلى تعريف الجمهور المسلم [ ص: 112 ] وغيره بالسلع المحلية والوطنية الإسلامية، وطرق استخداماتها، وفوائدها، ومزاياها، قصد إقناعهم بالإقبال عليها واقتنائها، وهو قسمان:

أ- الإعلان السلعي الخاص

وهو الإعلان الخاص بفئة معينة من جمهور المستهلكين تكون محددة الانتشار، كجمهور الأطباء، والمهندسين، والفنيين. ويسمى هذا النوع بالإعلان السلعي الطبقي، أو الإعلان السلعي الخاص.

ب- الإعلان السلعي العام

وهو الإعلان الذي يتوجه إلى فئات كبيرة من المجتمع دون مراعاة لجنسهم، ولمكانتهم، ولمستواهم المالي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي. كالإعلان عن السلع الغذائية، والاحتياجات الضرورية، كالخدمات العامة للغاز، والمحروقات، والكهرباء، والماء، والهاتف.

2- الإعلان الدولي (العالمي)

وهو الإعلان الذي يتوجه عبر القنوات الفضائية الكونية مخترقا كل الحدود القطرية، معرفا جمهور المستهلكين العالميين بالسلع، أو الخدمات، أو التسهيلات، أو المنشآت الإسلامية.

3- الإعلان الإقليمي

وهو الإعلان الذي يتوجه بالأساس إلى مجموعة من الشعوب والأقطار المتجاورة جغرافيا، والمتجانسة سياسيا، وثقافيا، واجتماعيا، واقتصاديا، ويهدف إلى التعريف بمزايا السلع، أو الخدمات، أو [ ص: 113 ] المنشآت، أو التسهيلات المنتجة في هذا التجمع الإقليمي، كتجمع دول مجلس التعاون الخليجي، وكتلة اتحاد دول المغرب العربي مثلا.

4- الإعلان الوطني

وهو الإعلان الذي يتوجه بالأساس إلى حدود دائرة وطنية واحدة وفي قطر بعينه، بهدف تعريف المواطنين الأصليين والمقيمين معا بالسلع، أو الخدمات، أو التسهيلات، أو المنشآت. وهو أكثر أنواع الإعلانات ذيوعا وانتشارا.

5- الإعلان المحلي

وهو الإعلان الذي يتوجه إلى دائرة جغرافية معينة ومحدودة في القطر، وعادة ما يهدف إلى الترويج للسلع المحلية، أو يعرض لمنتجات جهوية محلية، أو يعرف بخدمات وتسهيلات معروفة في إطار الحيز الجغرافي الجهوي فقط.

6- الإعلان الأولي

وهو الإعلان الذي يهدف بالدرجة الأولى إلى التعريف والترويج معا للسلـع أو الخدمـات المحليـة والوطنيـة، بغض النـظر عـن السـلع أو الخدمات المنافسة لها في السوق المحلية. وهدفه الرئيس التعريف والترويج وليس المنافسة.

7- الإعلان الاختياري

وهو الإعلان الذي يهدف بالأساس إلى إحداث التأثير الفعال في [ ص: 114 ] الجمهور المستهلك، لتحويل قطاع كبير منهم عن السلع أو الخدمـات أو المنشآت الأخرى المعلن عنها، والمنتشرة بكثافة في السوق. ويبقى هدفه الرئيس التأثير والتحويل.

8- الإعلان التعليمي

على الرغم من أن سائر أنواع الإعلانات تتضمن جوانب تعليمية وتربوية وتثقيفية مهمة عن السلع أو الخدمات أو التسهيلات أو المنشآت فإن الإعلان التعليمي يصمم خصيصا لتعليم قطاع كبير من الجمهور المستقبل، وذلك لإفادتهم بطرق الاستخدامات المتنوعة للسلعة، ولتفهيمهم بالنتائج الإيجابية الناتجة عن إقبالهم على السلع أو الخدمات أو التسهيلات التي تقدمها الجهة المعلنة.

ويبقى الهدف الرئيس لهذا النوع من الإعلانات هو التعليم وإكساب الخبرات المختلفة للجمهور.

9- الإعلان التذكيري

وهو الإعلان الذي يـروج، مذكـرا ومنـبها، للسـلع أو الخـدمات أو التسهيلات أو المنشآت، التي سبق لجمهور المستهلكين معرفتها عبر وسائل الإعلان المختلفة، وبواسطة الإعلان الأولي، والاختياري، والتعليمي وغيره.. ويبقى دوره الرئيس: تذكير الجمهور وتحفيزهم من جديد للإقبال على اقتناء السلع، والتعامل مع الخدمات والتسهيلات والمنشآت التي سبق الإعلان عنها. [ ص: 115 ]

10- الإعلان الدعائي (الإعلامي)

وهو الإعلان الذي يهدف بالأساس إلى تكوين انطباع طيب وإيجابي لدى جمهور المستهلكين، وذلك بهدف كسب ودهم وميولـهم نحو ما يعـلن عنـه من سـلع أو خدمـات أو تسهيـلات أو منشآت، ولمحاولة تكوين رأي عام منسجم ومتعاطف يتفق وعقيدة وتصورات وأفكار وقيـم المعـلن، لتصحيـح تصـور أو فكرة خاطئـة، أو محاولة تثبيت أخرى مكانها.

وهذا النوع هو أخطر أنواع الإعلانات إطلاقا، لأنه يمزج الإعلان بالدعاية وأنواعها الكثيرة، ولا سيما الدعاية التأثيرية منها، دون مراعاة لمزايا السلع أو الخدمات أو التسهيلات أو المنشآت، ومدى فائدتها وإيجابياتها.

ومع ذلك يمكن للدعاية الإسلامية استثماره وتسخيره على وجهه البنائي الصحيح، فيتوجه أساسا إلى التعريف بمزايا السلع والخدمات والمنتجات الإسلامية، ويعمل على تشجيع الجمهور المسلم خاصة وغير المسلم عامة، للإقبال عليها دون غيرها من المنتجات، والسلع المستوردة. وهو بذلك يؤدي أفضل وظيفة إعلامية ودعائية وإعلانية.

11- الإعلان التنافسي

ويهدف هذا النوع من الإعلانات إلى محاولة إقناع الجمهور بأنواع من المنتجات، والسلع، والتسهيلات والمنشآت ذات الشهرة المحلية [ ص: 116 ] والوطنية في الحياة الاقتصادية الإسلامية، التي تكون قد ظهرت في السوق منتجات أخرى منافسة ومكافئة لها، من حيث النوع والخصائص والمزايا وظروف الاستعمال والثمن.

12- الإعلان التحذيري

ويهدف هذا النوع من الإعلانات بالدرجة الأولى إلى التحذير ولفت الانتباه إلى وجود نوع مزيف أو مغشوش من السلع، أو نوع غير حقيقي يحمل العلامة الفارقة للمؤسسة أو المنشأة، ولكنه مزور وغير صادر عن المؤسسة نفسها. وذلك لإيجاد حالة من الانتباه الدائم والحذر تجاه الأنواع المزيفة.

وعادة ما يتضمن هذا الإعلان بعدا تعليميا ودعائيا واضحا، وذلك بقصد تنبيه الجمهور وتحذيره وكسب ثقته، وتقديم البدائل الإيجابية له. ويمكن لهذا النوع من الإعلانات أن ينتشر ويمتد في الحياة الاقتصادية للمجتمع الإسلامي بعد مرحلة التغيير الشاملة، عندما تستطيع المؤسسات الإسلامية تغطية كافة احتياجات الفرد والمجتمع المسلم. وهذا بعد قيام النظام الاقتصادي الإسلامي العالمي المنشود، وبعد سيادته المطلقة محليا، وإقليميا، وعالميا، وبعد أن يمتد أيضا في الواقع العملي المعيش، وبعد أن يمكن لتقاليد اقتصادية إسلامية عتيدة، ويؤصل لعلامات تجارية فارقة (ماركات) إسلامية.

ويستخدم هذا النوع من الإعلانات -الآن- في بعض المجتمعات [ ص: 117 ] الإسلامية عبر مختلف الوسائل الإعلانية والإعلامية والدعائية، لتحذير الفرد والمجتمع المسلم من أخطار المخدرات، والتدخـين... إلخ، من الانحرافات.

هذا -باختصار- أهم أنواع الإعلانات في المنظومة الإعلانية الإسلامية، والتي تتناسب ووضعية المجتمع الإسلامي الطامح للتغيير. ويمكن أن تظهر أنواع جديدة تبعا للتطورات الحاصلة ومتطلبات الإعلان الإسلامي، وتطلعاته الحضارية.

التالي السابق


الخدمات العلمية