الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3313 باب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب

                                                                                                                              وهو في النووي في (الباب المتقدم) .

                                                                                                                              وقال في المنتقى : (باب منع أهل الذمة من سكنى الحجاز) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 92 ج 12 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ (عن أبي الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول أخبرني عمر بن الخطاب: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أدع إلا مسلما) .

                                                                                                                              [ ص: 69 ] ولفظ المنتقى : " حتى لا أدع فيها إلا مسلما " . قال : ورواه أحمد ، ومسلم ، والترمذي وصححه .

                                                                                                                              وفي حديث ابن عباس : (قال : اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعه يوم الخميس ، وأوصى عند موته بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب الحديث متفق عليه .

                                                                                                                              وعن عائشة ، (قالت : آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أن قال : لا يترك بجزيرة العرب دينان) . رواه أحمد .

                                                                                                                              وفي حديث أبي عبيدة بن الجراح ; (قال : آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أخرجوا يهود أهل الحجاز ، وأهل نجران ، من جزيرة العرب) . رواه أحمد . وفي الباب أحاديث سوى ذلك ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              قال الأصمعي : " جزيرة العرب " ، ما بين أقصى عدن أبين ، إلى ريف العراق طولا . ومن جدة وما والاها من أطراف الشام عرضا

                                                                                                                              . وسميت " جزيرة " : لإحاطة البحار بها . يعني : بحر الهند ، وبحر [ ص: 70 ] فارس ، والحبشة . وأضيفت إلى العرب . لأنها كانت بأيديهم قبل الإسلام ، وبها أوطانهم ومنازلهم .

                                                                                                                              قال في القاموس : وجزيرة العرب : ما أحاط بها بحر الهند ، وبحر الشام ، ثم دجلة والفرات . أو ما بين عدن أبين إلى أطراف الشام طولا . ومن جدة إلى ريف العراق عرضا . انتهى.

                                                                                                                              وظاهر حديث ابن عباس : أنه يجب إخراج كل مشرك من جزيرة العرب ، سواء كان يهوديا ، أو نصرانيا ، أو مجوسيا . ويؤيد هذا : ما في حديث عائشة . وبهذا يعرف : أن ما وقع في بعض ألفاظ الحديث (من التصريح بإخراج اليهود والنصارى ، كما في حديث الباب وحديث أبي عبيدة . ومن الاقتصار على الأمر بإخراج اليهود) : لا ينافي الأمر العام ، لما تقرر في الأصول : أن التنصيص على بعض أفراد العام ، لا يكون مخصصا للعام المصرح به في لفظ آخر . وما نحن فيه : من ذلك الباب .

                                                                                                                              وظاهر الحديث : أنه يجب إخراج المشركين ، من كل مكان داخل في جزيرة العرب .

                                                                                                                              وحكى الحافظ في الفتح ، في كتاب الجهاد ، عن الجمهور : أن الذي يمنع منه المشركون من جزيرة العرب : هو الحجاز خاصة . قال : وهو مكة ، والمدينة ، واليمامة وما والاها . لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه .

                                                                                                                              [ ص: 71 ] اسم : " جزيرة العرب ". لاتفاق الجميع على أن اليمن لا يمنعون منها ، مع أنها من جملة جزيرة العرب .

                                                                                                                              قال : وعن الحنفية : يجوز مطلقا ، إلا المسجد.

                                                                                                                              وعن مالك : يجوز دخولهم الحرم للتجارة .

                                                                                                                              وقال الشافعي : لا يدخلون الحرم أصلا ، إلا بإذن الإمام ، لمصلحة المسلمين . انتهى

                                                                                                                              قال ابن عبد البر "في الاستذكار" ما لفظه : قال الشافعي : جزيرة العرب ، التي أخرج عمر اليهود والنصارى منها : مكة ، والمدينة ، واليمامة ومخاليفها . فأما اليمن ، فليس من جزيرة العرب . انتهى .

                                                                                                                              قال في البحر : ولا يجوز إقرارهم في الحجاز ، إذ أوصى صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثة أشياء ;

                                                                                                                              " إخراجهم من جزيرة العرب " الخبر ، ونحوه .

                                                                                                                              والمراد بجزيرة العرب في هذه الأخبار : مكة ، والمدينة ، واليمامة ومخاليفها ، ووج والطائف وما ينسب إليهما . وسمي الحجاز " حجازا " :

                                                                                                                              [ ص: 72 ] لحجزه بين نجد وتهامة . ثم حكى كلام الأصمعي السابق . ثم حكى عن أبي عبيدة أنه قال : " جزيرة العرب " ، هي ما بين حفر أبي موسى (وهو قريب من البصرة) ، إلى أقصى اليمن طولا ، وما بين يبرين إلى السماوة عرضا .

                                                                                                                              ثم قال: لنا ما روى أبو عبيدة : أن آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " أخرجو اليهود من جزيرة العرب ... الخبر" وأجلى عمر أهل الذمة من الحجاز ، فلحق بعضهم بالشام ، وبعضهم بالكوفة . وأجلى أبو بكر قوما ، فلحقوا بخيبر . فاقتضى أن المراد : الحجاز ، لا غير . انتهى.

                                                                                                                              قال في القاموس : " الحجاز " مكة ، والمدينة ، والطائف ومخاليفها . لأنها حجزت بين نجد وتهامة . أو بين نجد والسراة . أو لأنها احتجزت بالحرار الخمس ; حرة بني سليم ، وواقم ، وليلى ، وشوران ، والنار . انتهى .

                                                                                                                              قال الشوكاني "رحمه الله" في النيل : ولا يخفى أنه : لو كان حديث أبي عبيدة باللفظ الذي ذكره ، لم يدل على أن المراد بجزيرة [ ص: 73 ] العرب : هو الحجاز فقط ، ولكنه باللفظ الذي تقدم . فيكون دليلا لتخصيص جزيرة العرب بالحجاز . وفيه ما سيأتي . ثم قال : فلو فرضنا أنه لم يقع النص إلا على إخراجهم من الحجاز ، لكان المتعين إلحاق بقية جزيرة العرب به . فكيف والنص الصريح مصرح بالإخراج من جزيرة العرب؟

                                                                                                                              وأيضا ; هذا الحديث الذي فيه الأمر بالإخراج من الحجاز . فيه الأمر بإخراج أهل نجران . كما وقع في حديث أبي عبيدة . وليس " نجران " من الحجاز . فلو كان لفظ "الحجاز ، مخصصا للفظ " جزيرة العرب " على انفراده ، أو دالا على أن المراد بجزيرة العرب " الحجاز " فقط : لكان ذلك إهمالا لبعض الحديث . وإعمالا لبعض . وإنه باطل .

                                                                                                                              وأيضا ; غاية ما في حديث أبي عبيدة (الذي صرح فيه بلفظ الحجاز) : مفهومه معارض لمنطوق ما في حديث ابن عباس ، المصرح فيه بلفظ "جزيرة العرب ". والمفهوم لا يقوى على معارضة المنطوق . فكيف يرجح عليه ؟ انتهى ما في النيل ملخصا .

                                                                                                                              والحاصل : أن العمل على حديث عمر الذي في الباب متعين ، [ ص: 74 ] والمصير إليه متحتم . ويجب إخراجهم عن جزيرة العرب . وقد تقدم تعريفها والمراد بها . والله أعلم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية