الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وإذا لم يبق له عذر وطلبت الفيئة ، وهي الجماع فجامع انحلت يمينه وعليه كفارتها . وأدنى ما يكفيه تغييب الحشفة في الفرج ، وإن وطئها دون الفرج أو في الدبر لم يخرج من الفيئة ، وإن وطئها في الفرج وطئا محرما - مثل أن يطأ حالة الحيض أو النفاس أو صيام فرض - من أحدهما فقد فاء إليها ; لأن يمينه انحلت به . وقال أبو بكر : الأصح أنه لا يخرج من الفيئة . وإن لم يفئ وأعفته المرأة سقط حقها ويحتمل ألا يسقط ولها المطالبة بعد ، وإن لم تعفه أمر بالطلاق ، فإن طلق واحدة فله رجعتها . وعنه : أنها تكون بائنة ، وإن لم يطلق حبس وضيق عليه حتى يطلق في إحدى الروايتين ، والأخرى يطلق عليه الحاكم ، فإن طلقها واحدة فهو كطلاق المؤلي ، وإن طلق ثلاثا أو فسخ صح ذلك ، وإن ادعى أن المدة لم تنقض أو أنه وطئها وكانت ثيبا ، فالقول قوله ، وإن كانت بكرا وادعت أنها عذراء فشهدت بذلك امرأة عدل ، فالقول قولها وإلا فالقول قوله ، وهل يحلف من القول قوله ؛ على وجهين .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وإذا لم يبق له عذر وطلبت الفيئة ، وهي الجماع ) بغير خلاف . وأصل الفيء الرجوع إلى فعل ما تركته ، والفيئة بكسر الفاء مثل الصيغة ذكره في الصحاح ( فجامع ) القادر عليه إن حل وطؤها ، وقيل - ذكره ابن عقيل رواية - وطئا مباحا ، لا في حيض ونحوه ، ( انحلت يمينه ) لتحقق حنثه ( وعليه كفارتها ) في قول أكثر العلماء لعموم النص . وقال الحسن : لا كفارة عليه . قال قتادة : الحسن قد خالف الناس .

                                                                                                                          فرع : إذا كفر عن يمينه بعد المدة قبل الوطء ، أو استدخلت ذكره وهو [ ص: 26 ] نائم ، أو وطئها ناسيا يمينه أو في حال جنونه ، وقلنا لا يحنث ، فهل ينحل إيلاؤه ؛ ، على وجهين وفي المذهب يفي بما يبيحها لزوج أول ، والجاهل كالناسي في الحنث . ( وأدنى ما يكفيه تغييب الحشفة ) أو قدرها ( في الفرج ) لأن أحكام الوطء تتعلق به . وظاهره ولو من مكره وناس ونحوهما . ( وإن وطئها دون الفرج ، أو في الدبر لم يخرج من الفيئة ) لأنه ليس بمحلوف عليه ، ولا يزول الضرر بفعله . وفي " الرعاية " فما فاء ، ولو حنث بهما في وجه لدخوله في يمينه . ( وإن وطئها في الفرج وطئا محرما مثل أن يطأ حالة الحيض ، أو النفاس ، أو صيام فرض من أحدهما فقد فاء إليها ; لأن يمينه انحلت به ) فزال حكمها وزال الضرر عنها ، وكان كالوطء الحلال ، وكما لو وطئها مريضة . ( وقال أبو بكر : الأصح ) وحكاه في " المغني " و " الشرح " قياس المذهب ( أنه لا يخرج من الإيلاء ) لأنه وطء لا يؤمر به في الفيئة ، فلم يخرج به من الإيلاء كالوطء في الدبر . والذي ذكره لا يصح ; لأن يمينه انحلت ، ولم يبق ممتنعا من الوطء بحكم اليمين ، فلم يبق الإيلاء كما لو كفر يمينه . وقد نص أحمد على من حلف ، ثم كفر يمينه ، لا يبقى مؤليا لعدم حكم اليمين فهذا أولى ، وقد ذكر القاضي في المحرم ، والمظاهر أنهما إذا وطئا فقد وفياها حقها ، بخلاف الوطء في الدبر ; لأنه ليس بمحل للوطء .



                                                                                                                          مسألتان : الأولى : إذا آلى بعتق ، أو طلاق ، وقع بنفس الوطء ; لأنه معلق بصفة ، وإن لم يفعل فكفارة يمين ، وإن آلى بنذر ، أو صوم ، أو صلاة ، أو حج ، أو غير ذلك من الطاعات ، أو المباحات ، فهو مخير بين الوفاء به وبين التكفير ; لأنه نذر لجاج وغضب ، وهذا حكمه .

                                                                                                                          [ ص: 27 ] الثانية : إذا آلى بطلاق ثلاث أمر بالطلاق ; لأن الوطء غير ممكن ; لأنها تبين منه بإيلاج الحشفة فيصير مستمتعا بأجنبية ، وذكر المؤلف أن الأليق بالمذهب تحريمه . وعنه لا ، ومتى أولج وتمم ، أو لبث لحقه نسبه ، وفي المهر وجهان ، وقيل : يجب الحد . جزم به في " المستوعب " وفيه ويعزر جاهل ، وفي " المنتخب " فلا مهر ، ولا نسب ، وإن نزع فلا حد ، ولا مهر ; لأنه تارك ، وإن نزع ، ثم أولج . فإن جهلا التحريم ، فالمهر ، والنسب ، ولا حد . والعكس بعكسه ، وإن علمه لزمه المهر ، والحد ، ولا نسب . وإن علمته ، فالحد ، والنسب ، ولا مهر ، وكذا إن تزوجت في عدتها . ( وإن لم يفئ وأعفته المرأة سقط حقها ) وليس لها المطالبة في قياس المذهب قاله القاضي ; لأنها رضيت بإسقاط حقها من الفسخ فسقط حقها منه كامرأة العنين إذا رضيت منه . ( ويحتمل ألا يسقط ولها المطالبة بعد ) أي : متى شاءت ; لأنها ثبتت لدفع الضرر بترك ما يتجدد مع الأحوال كما لو أعسر بالنفقة فعفت عن المطالبة ، ثم طالبت ، وفارق الفسخ للعنة ، فإنه فسخ لعيبه ، فمتى رضيت بالعيب سقط حقها كما لو عفا المشتري عن عيب المبيع ، وإن سكتت عن المطالبة ، ثم طالبت فلها ذلك وجها واحدا ; لأن حقها ثبت على التراخي ، فلم يسقط بتأخير المطالبة كاستحقاق النفقة . ( وإن لم تعفه أمر بالطلاق ) إن طلبت ذلك لقوله تعالى : فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان [ البقرة : 229 ] . فإذا امتنع من أداء الواجب فقد امتنع من الإمساك بالمعروف فيؤمر بالتسريح بالإحسان . ( فإن طلق واحدة فله رجعتها ) سواء كان المؤلي أو الحاكم في الأشهر ; لأنه طلاق صادف مدخولا [ ص: 28 ] بها من غير عوض ولا استيفاء عدد ، فكان رجعيا كالطلاق في غير الإيلاء ويفارق فرقة العنة ; لأنها فسخ لعيب . ( وعنه : أنها تكون بائنة ) وقاله أبو ثور ; لأنها فرقة لدفع الضرر ، فكانت بائنة كالمختلعة . وعنه من حاكم ، لا منه . قال القاضي : المنصوص عن أحمد في فرقة الحاكم أنها تكون بائنا ، وقال الأثرم : فأما تفريق السلطان فليس فيه رجعة كاللعان وعلم منه أن الزوج ، أو الحاكم إذا طلق ثلاثا ، فإنها تحرم عليه ، ولا تحل له إلا بعد زوج وإصابة .

                                                                                                                          فرع : إذا وقع الطلاق ، ثم ارتجعها ، أو تركها حتى انقضت عدتها ، ثم تزوجها ، أو طلق ثلاثا فتزوجت غيره ، ثم تزوجها ، وقد بقي من مدة الإيلاء أكثر من أربعة أشهر ، وقف لها ; لأنه يمتنع من وطئها بيمين في حال الزوجية أشبه ما لو راجعها . وإن بقي أقل من أربعة أشهر ، ولم يثبت حكم الإيلاء لقصوره عن مدته ( وإن لم يطلق حبس وضيق عليه حتى يطلق في إحدى الروايتين ) . قدمها في " الرعاية " و " الفروع " وجزم بها في " الوجيز " ; لأنه مفض إلى زوال ضرر المرأة المطلوب زواله ، فعليها ليس للحاكم الطلاق ; لأن الزوج إذا خير بين أمرين لم يقم غيره مقامه كاختياره لبعض الزوجات إذا أسلم على أكثر من أربع . ( والأخرى يطلق عليه الحاكم ) قدمها في " الكافي " وصححها في " الشرح " . قال في " الفروع " : وهي أظهر ; لأنه حق تعين مستحقه فدخلت النيابة فيه كقضاء الدين . والفرق بين طلاق الحاكم ، والتخيير أن المستحق من النسوة غير معين ، بخلاف الإيلاء ، ولأنها خيرة تشه ، بخلاف الخيرة هنا ، وليس هو خيرة بين أمرين ; لأنه يؤمر بالفيئة ، ثم بالطلاق . ( فإن طلقها ) [ ص: 29 ] الحاكم ( واحدة ، فهو كطلاق المؤلي ) لأنه نائبه ، وقائم مقامه فوجب أن يكون كحكمه . ( وإن طلق ثلاثا ، أو فسخ صح ذلك ) لأن الحاكم قائم مقام الزوج فملك ما يملكه . وقدم في " التبصرة " أنه لا يملك ثلاثا للمساواة . وعنه : يتعين الطلاق . وعنه : الفسخ ، فإن قال الحاكم : فرقت بينكما فروايتان أنصهما أنه فرقة بغير طلاق ، فلا تحل له إلا بعقد جديد . والأخرى تقع عليه طلقة .

                                                                                                                          فرع : إذا ادعى عجزه عن الوطء ، ولم يكن علم أنه عنين ، فقيل : لا يقبل قوله . صححه في " الرعاية " ; لأن الأصل سلامته فيؤمر بالطلاق . وقيل : بلى ; لأنه لا يعرف إلا من جهته . ( وإن ادعى أن المدة لم تنقض ) وادعت هي انقضاءها ( أو أنه وطئها ، وكانت ثيبا ، فالقول قوله ) لأن الأصل بقاء النكاح ، والمرأة تدعي رفعه ، فهو يدعي ما يوافق الأصل كما لو ادعى الوطء من العنة وفيه احتمال . وفي اليمين روايتان : إحداهما : يحلف ، اختاره الخرقي للخبر وكالدين ، ولأن ما تدعيه المرأة محتمل فوجب نفيه باليمين ، والثانية : ونص عليها في رواية الأثرم واختارها أبو بكر أنه لا يمين عليه ; لأنه لا يقضى فيها بالنكول . ( وإن كانت بكرا وادعت أنها عذراء فشهدت بذلك امرأة عدل ، فالقول قولها ) لأن قولها اعتضد بالبينة إذ لو وطئها زالت بكارتها . وعنه لا يقبل فيه إلا امرأتان ، وإلا فإن لم يشهد لها أحد بذلك ( وإلا فالقول قوله ) كما لو كانت ثيبا . ( وهل يحلف من القول قوله ؛ ) من الزوج ، والزوجة ( على وجهين ) حكاهما في " الترغيب " فيها والله أعلم .




                                                                                                                          الخدمات العلمية