الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة السادسة : فإن قيل : فإذا جعلتم للولي أن يتصرف في مال اليتيم تصرفه في مال ابنه بولاية الكفالة كما قدمتم بيانه إن كان بتقديم وال عليه ، فهل ينكح نفسه من يتيمته أو يشتري من مال يتيمته ؟ قلنا : إن مالكا جعل ولاية النكاح بالكفالة والحضانة أقوى منها بالقرابة ، حتى قال في الأعراب الذين يسلمون أولادهم في أعوام المجاعة إلى الكفلة : إنهم ينكحونهم إنكاحهم .

                                                                                                                                                                                                              فأما إنكاح الكافل من نفسه فسيأتي في تفسير سورة النساء إن شاء الله تعالى . وأما الشراء منه فقال مالك وأبو حنيفة : يشتري في مشهور الأقوال إذا كان نظرا له ، وهو صحيح ; لأنه من باب الإصلاح المنصوص عليه في الآية . وقال الشافعي : لا يجوز ذلك في النكاح ولا في البيع ; وقد مهدناه في مسائل الخلاف . فأما ما نزعه الشافعي من منع النكاح فله فيها طرق بيانها في موضعها هنالك ; وأما الشراء فطريقه فيها ضعيف جدا إلا أن يدخل معنا في مراعاة الذرائع والتهم فينقض أصله في تركها .

                                                                                                                                                                                                              فإن قيل : فلم ترك مالك أصله في التهمة والذرائع ، وجوز له ذلك من نفسه مع يتيمته ؟ قلنا : إنما نقول يكون ذريعة لما يؤدي من الأفعال المباحة إلى محظور منصوص [ ص: 217 ] عليه ، وأما هاهنا فقد أذن الله سبحانه في صورة المخالطة ، ووكل الحاضنين في ذلك إلى أمانتهم بقوله تعالى : { والله يعلم المفسد من المصلح } وكل أمر مخوف وكل الله تعالى فيه المكلف إلى أمانته لا يقال فيه إنه يتذرع إلى محظور فيمنع منه ، كما جعل الله سبحانه النساء مؤتمنات على فروجهن ، مع عظم ما يتركب على قولهن في ذلك من الأحكام ، ويرتبط به من الحل والحرمة والأنساب ، وإن جاز أن يكذبن .

                                                                                                                                                                                                              وهذا فن بديع فتأملوه واتخذوه دستورا في الأحكام وأملوه ، والله الموفق للصواب برحمته .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية