الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                  [ ص: 124 ] قوله تعالى : ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) الآية [ 67 ] .

                                                                                                                                                                  485 - قال مجاهد : كان عمر بن الخطاب يرى الرأي فيوافق رأيه ما يجيء من السماء ، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استشار في أسارى بدر ، فقال المسلمون : بنو عمك افدهم ، قال عمر : لا يا رسول الله ، اقتلهم ، قال : فنزلت هذه الآية : ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى ) .

                                                                                                                                                                  486 - وقال ابن عمر : استشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأسارى أبا بكر فقال : قومك وعشيرتك ، خل سبيلهم . واستشار عمر فقال : اقتلهم ، ففاداهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تعالى : ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) إلى قوله تعالى : ( فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا ) قال : فلقي النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر فقال : كاد أن يصيبنا في خلافك بلاء .

                                                                                                                                                                  487 - أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري قال : أخبرنا حاجب بن أحمد قال : حدثنا محمد بن حماد قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما تقولون في هؤلاء الأسرى ؟ " فقال أبو بكر : يا رسول الله ، قومك وأهلك ، استبقهم ، واستأن بهم ، لعل الله عز وجل [ أن ] يتوب عليهم ، وقال عمر : كذبوك وأخرجوك ، فقدمهم فاضرب أعناقهم ، وقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله ، انظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه ، ثم أضرم عليهم نارا ، فقال العباس : قطعت رحمك . فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يجبهم ، ثم دخل ، فقال ناس : يأخذ بقول أبي بكر ، وقال ناس : يأخذ بقول عمر ، وقال ناس : يأخذ بقول عبد الله ، ثم خرج عليهم ، فقال : " إن الله عز وجل ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن ، وإن الله عز وجل ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة ، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال : ( فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ) وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) وإن مثلك يا عمر كمثل موسى ، قال : ( ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم . . . ) وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال : ( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) " ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أنتم اليوم عالة ، أنتم اليوم عالة ، فلا ينقلبن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق . قال : فأنزل الله عز وجل : ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) إلى آخر الآيات الثلاث .

                                                                                                                                                                  488 - أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال : أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا أبو نوح قراد قال : حدثنا عكرمة بن عمار قال : حدثنا سماك الحنفي أبو زميل قال : حدثني ابن [ ص: 125 ] عباس قال : حدثني عمر بن الخطاب قال : لما كان يوم بدر والتقوا ، فهزم الله المشركين ، وقتل منهم سبعون رجلا وأسر [ منهم ] سبعون رجلا - استشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر ، وعمر ، وعليا ، فقال أبو بكر : يا رسول الله ، هؤلاء بنو العم ، والعشيرة ، والإخوان ، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية ، فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار ، وعسى الله أن يهديهم [ للإسلام ] ، فيكونوا لنا عضدا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما ترى يا ابن الخطاب ؟ " ، قال : قلت والله ما أرى ما رأى أبو بكر ، ولكن أن تمكنني من فلان - قريب لعمر - فأضرب عنقه ، وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكن حمزة من فلان - أخيه - فيضرب عنقه حتى يعلم الله عز وجل أنه ليس في قلوبنا هوادة للمشركين ، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم . فهوي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر ، ولم يهو ما قلت ، فأخذ منهم الفداء . فلما كان من الغد قال عمر : غدوت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو قاعد وأبو بكر الصديق وإذا هما يبكيان ، فقلت : يا رسول الله ، أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت [ لبكائكما ] ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أبكي للذي عرض علي أصحابك من الفداء ، لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة " - لشجرة قريبة - وأنزل الله عز وجل : ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) إلى قوله : ( لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم ) من الفداء ( عذاب عظيم ) رواه مسلم في الصحيح عن هناد بن السري ، عن ابن المبارك ، عن عكرمة بن عمار .

                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية