الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فتح قلعة الروم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ربيع الآخر توجه السلطان الأشرف بالعساكر نحو الشام ، فقدم دمشق ، ومعه وزيره ابن السلعوس ، فاستعرض الجيوش ، وأنفق فيهم أموالا جزيلة ، ثم سار بهم نحو بلاد حلب ، ثم سار إلى قلعة الروم ، فافتتحها بالسيف قهرا في يوم السبت حادي عشر رجب ، وجاءت البشارة بذلك إلى دمشق وزينت البلد سبعة أيام ، وبارك الله لخميس المسلمين في سبتهم ، وكان يوم السبت ألبا على أهل يوم الأحد ، وكان الفتح بعد حصار عظيم جدا ، مدة ثلاثة وثلاثين يوما ، وكانت المنجنيقات تزيد على ثلاثين منجنيقا ، [ ص: 648 ] واستشهد من الأمراء شرف الدين بن الخطير ، وقد قتل من أهل البلد خلق كثير ، وغنم المسلمون منها شيئا كثيرا ، ثم عاد السلطان إلى دمشق ، وترك الشجاعي بقلعة الروم يعمرون ما وهى من قلعتها; بسبب رمي المنجنيقات عليها وقت الحصار ، وكان دخوله إلى دمشق بكرة يوم الثلاثاء تاسع عشر شعبان ، فاحتفل الناس لدخوله ودعوا له وأحبوه ، وكان يوما مشهودا بسط له كما يبسط له إذا قدم من الديار المصرية ، وإنما كان ذلك بإشارة ابن السلعوس ، فهو أول من بسط له ، وقد كسر أبوه التتر على حمص ولم يبسط له ، وكذلك الملك الظاهر كسر التتر والروم على البلستين وفي غير موطن ولم يبسط له ، وهذه بدعة شنعاء قد أحدثها هذا الوزير للملوك ، وفيها إسراف وضياع مال وأشر وبطر ورياء وتكليف للناس ، وأخذ أموال ووضعها في غير مواضعها ، والله سبحانه سائله عنها ، وقد ذهب وتركها يتوارثها الملوك والناس عنه ، وقد حصل للناس بسبب ذلك ظلم عظيم ، فليتق العبد ربه ، ولا يحدث في الإسلام بسبب هواه ومراد نفسه ما يكون سبب مقت الله له ، وإعراضه عنه ، فإن الدنيا لا تدوم لأحد ، ولا يدوم أحد فيها . والله سبحانه أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان ملك قلعة الروم مع السلطان أسيرا ، وكذلك رءوس أصحابه ، فدخل بهم دمشق وهم يحملون رءوس أصحابهم على رءوس الرماح ، وجهز السلطان طائفة من الجيش نحو جبل كسروان والجرد بسبب ممالأتهم للفرنج قديما على المسلمين ، وكان مقدم العساكر بيدرا ، وفي صحبته سنقر الأشقر وقراسنقر [ ص: 649 ] المنصوري الذي كان نائب حلب ، فعزله عنها السلطان وولى مكانه سيف الدين بلبان الطباخي المنصوري - وجماعة آخرون من الأمراء الكبار ، فلما أحاطوا بالجبل ولم يبق إلا دمار أهله حملوا في الليل إلى بيدرا حملا كثيرا ، ففتر في قضيتهم ، ثم انصرف بالجيوش عنهم ، وعادوا إلى السلطان ، فتلقاهم السلطان ، وترجل السلطان للأمير بيدرا ، وهو نائبه على مصر ، ثم إن ابن السلعوس نبه السلطان على فعل بيدرا ، فلامه وعنفه ، فمرض من خوفه من ذلك مرضا شديدا أشفى به على الموت ، حتى قيل : إنه مات . ثم عوفي فعمل ختمة عظيمة بجامع دمشق حضرها القضاة والأعيان ، وأشعل الجامع نظير ليلة النصف من شعبان وكان ذلك ليلة العشر الأول من رمضان ، وأطلق السلطان أهل الحبوس ، وترك بقية الضمان عن أرباب الجهات السلطانية ، وتصدق عنه بشيء كثير ، ونزل هو عن ضمانات كثيرة ، وكان قد حاف فيها على أربابها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد امتدح الشهاب محمود الملك الأشرف خليلا على فتحه قلعة الروم بقصيدة هائلة فاضلة ، أولها :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لك الراية الصفراء يقدمها النصر فمن كيقباذ إن رآها وكيخسرو     إذا خفقت في الأرض هدت بنودها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هوى الشرك واستعلى الهدى وانجلى الثغر     وإن نشرت مثل الأصائل في وغى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      جلا النقع من لألاء طلعتها البدر     وإن يممت زرق العدى سار تحتها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كتائب خضر دوحها البيض والسمر      [ ص: 650 ] كأن مثار النقع ليل وخفقها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بروق وأنت البدر والفلك الجثر     وفتح أتى في إثر فتح كأنما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سماء بدت تترى كواكبها الزهر     فكم قطمت طوعا وكرها معاقلا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مضى الدهر عنها وهي عانسة بكر     بذلت لها عزما فلولا مهابة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كساها الحيا جاءتك تسعى ولا مهر     قصدت حمى من قلعة الروم لم يبح
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لغيرك إذ غرتهم المغل فاغتروا     ووالوهم سرا ليخفوا أذاهم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي آخر الأمر استوى السر والجهر     صرفت إليهم همة لو صرفتها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إلى البحر لاستولى على مده الجزر     وما قلعة الروم التي حزت فتحها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وإن عظمت إلا إلى غيرها جسر     طليعة ما يأتي من الفتح بعدها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كما لاح قبل الشمس في الأفق الفجر     فصبحتها بالجيش كالروض بهجة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صوارمه أنهاره والقنا الزهر     وأبعدت بل كالبحر والبيض موجه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وجرد المذاكي السفن والخوذ الدر     وأغربت بل كالليل عوج سيوفه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أهلته والنبل أنجمه الزهر     وأخطأت لا بل كالنهار شموسه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محياك والآصال راياتك الصفر     ليوث من الأتراك آجامها القنا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لها كل يوم في ذوي ظفر ظفر     فلا الريح تجري بينهم لاشتباكها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عليهم ولا ينهل من فوقهم قطر     عيون إذا الحرب العوان تعرضت
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لخطابها بالنفس لم يغلها مهر      [ ص: 651 ] ترى الموت معقودا بهدب نبالهم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا ما رماها القوس والنظر الشزر     ففي كل سرج غصن بان مهفهف
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي كل قوس مده ساعد بدر     إذا صدموا شم الجبال تزلزلت
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأصبح سهلا تحت خيلهم الوعر     ولو وردت ماء الفرات خيولهم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لقيل هنا قد كان فيما مضى نهر     أداروا بها سورا فأضحت كخنصر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لدى خاتم أو تحت منطقة خصر     وأرخوا إليها من بحار أكفهم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سحاب ردى لم يخل من قطره قطر     كأن المجانيق التي قمن حولها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      رواعد سخط وبلها النار والصخر     أقامت صلاة الحرب ليلا صخورها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فأكثرها شفع وأكثرها وتر     ودارت بها تلك النقوب فأشرفت
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وليس عليها في الذي فعلت حجر     فأضحت بها كالصب يخفي غرامه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حذار أعاديه وفي قلبه جمر     وشبت بها النيران حتى تمزقت
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وباحت بما أخفته وانهتك الستر     فلاذوا بذيل العفو منك فلم يخب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      رجاهم ولو لم يشب قصدهم مكر     وما كره المغل اشتغالك عنهم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بها عندما فروا ولكنهم سروا     فأحرزتها بالسيف قسرا وهكذا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فتوحك فيما قد مضى كله قسر     وأضحت بحمد الله ثغرا ممنعا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تبيد الليالي والعدى وهو مفتر     فيا أشرف الأملاك فزت بغزوة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تحصل منها الفتح والذكر والأجر      [ ص: 652 ] ليهنك عند المصطفى أن دينه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      توالى له في يمن دولتك النصر     وبشراك أرضيت المسيح وأحمدا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وإن غضب النقفور من ذاك والكفر     فسر حيث ما تختار فالأرض كلها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بحكمك والأمصار أجمعها مصر     ودم وابق للدنيا ليحيى بك الهدى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ويزهى على ماضي العصور بك العصر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حذفت منها أشياء كثيرة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها تولى خطابة دمشق الشيخ عز الدين أحمد الفاروثي الواسطي بعد وفاة زين الدين بن المرحل ، وخطب واستسقى بالناس فلم يسقوا ، ثم خطب مرة ثانية بعد ذلك بأيام عند مسجد القدم فلم يسقوا ، ثم ابتهل الناس من غير دعائه واستسقائه فسقوا ، ثم عزل الفاروثي بعد أيام بالخطيب موفق الدين أبي المعالي محمد بن محمد بن محمد بن عبد المنعم المهراني الحموي ، كان خطيب حماة ثم انتقل إلى دمشق في هذه السنة فقام وخطب ، وتألم الفاروثي لذلك ، ودخل على السلطان ، واعتقد أن الوزير عزله من غير علمه ، فإذا هو قد شعر بذلك ، واعتذر بأنه إنما عزله لضعفه ، فذكر له أنه يصلي ليلة النصف مائة ركعة بمائة قل هو الله أحد فلم يقبلوا ذلك منه ، واستمروا بالحموي . وهذه دناءة بشعة وقلة عقل وعدم إخلاص من الفاروثي ، وأصاب السلطان في عزله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذا اليوم قبض السلطان على الأمير سنقر الأشقر وغيره ، فهرب هو [ ص: 653 ] والأمير حسام الدين لاجين السلحدار ، فنادت عليه المنادية بدمشق : من أحضره فله ألف دينار ، ومن أخفاه شنق . وركب السلطان ومماليكه في طلبه ، وصلى الخطيب بالناس في الميدان الأخضر ، وعلى الناس كآبة بسبب تفرق الكلمة واضطراب الجيش ، واختبط الناس ، فلما كان سادس شوال أمسكت العرب سنقر الأشقر ، فردوه على السلطان ، فأرسله مقيدا إلى مصر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذا اليوم ولى السلطان نيابة دمشق لعز الدين أيبك الحموي ، عوضا عن الشجاعي ، وقدم الشجاعي من الروم في هذا اليوم الثاني من عزله فتلقاه الفاروثي وقال : قد عزلنا من الخطابة . فقال : ونحن من النيابة . فقال الفاروثي : عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون [ الأعراف : 129 ] فلما بلغ ابن السلعوس تغضب عليه ، وكان قد عين له القيمرية فترك ذلك ، وسافر السلطان عاشر شوال إلى مصر ، فدخلها في أبهة الملك ، وفي يوم دخوله أقطع قراسنقر مائة فارس بمصر عوضا عن نيابة حلب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة اشترى الأمير سيف الدين طغاي الأشرفي قيسارية القطن المعروفة بإنشاء الملك المعظم بن العادل من بيت المال ، بمرسوم من السلطان ، وكان حظيا عنده ، ونقل سوق الحريريين تلك المدة ، وكان السلطان قد أفرج عن علم الدين الدواداري بعد رجوعه من قلعة الروم ، واستحضره إلى دمشق ، وخلع عليه ، واستصحبه معه إلى القاهرة ، وأقطعه مائة فارس ، وولاه مشد الدواوين مكرها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 654 ] وفي ذي القعدة استحضر السلطان سنقر الأشقر وطقصوا ، فعاقبهما فاعترفا بأنهما أرادا قتله ، فسألهما عن لاجين فقالا : لم يكن معنا ولا علم له بهذا . فخنقهما ، وأطلقه بعدما جعل الوتر في حلقه ، وكان قد بقي له مدة لا بد أن يبلغها ، وقد ملك بعد ذلك كما سنذكره إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ذي الحجة عقد الشيخ برهان الدين بن الشيخ تاج الدين عقده على بنت قاضي القضاة شهاب الدين بن الخويي بالباذرائية ، وكان حافلا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها دخل الأمير سنقر الأعسر على بنت الوزير شمس الدين بن السلعوس على صداق ألف دينار ، وعجل لها خمسمائة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها قفز جماعة من التتر نحو من ثلاثمائة إلى الديار المصرية ، فأكرموا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية