الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر عدة حوادث

في هذه السنة تجددت الهدنة بين صاحب مصر وبين الروم ، وحمل كل واحد منهما لصاحبه هدية عظيمة‏ .

وفيها كان ببغداذ والموصل وسائر البلاد العراقية والجزرية ( غلاء عظيم ، حتى أكل الناس الميتة ، وتبعه ) وباء شديد مات فيه كثير من الناس ، حتى خلت [ ص: 65 ] الأسواق ، وزادت أثمان ما يحتاج إليه المرضى ، حتى بيع المن من الشراب بنصف دينار ، ومن اللوز بخمسة عشر قيراطا ، والرمانة بقيراطين ، والخيارة بقيراط ، وأشباه ذلك .

وفيها جمع الأمير أبو كاليجار فناخسرو بن مجد الدولة بن بويه جمعا ، وسار إلى آمد فدخلها ، وساعده أهلها ، وأوقع بمن كان فيها من أصحاب طغرلبك ، فقتل وأسر ، وعرف طغرلبك ذلك ، فسار عن الري قاصدا إليه ، ومتوجها إلى قتاله .

وفيها توفي عميد الدولة أبو سعد محمد بن الحسين بن عبد الرحيم بجزيرة ابن عمر في ذي القعدة ، وله شعر حسن ، ووزر لجلال الدولة عدة دفعات‏ .

وفيها سير المعز بن باديس صاحب إفريقية أسطولا إلى جزائر القسطنطينية ، فظفر وغنم وعاد .

وفيها اقتتلت طوائف من تلكاتة ، قاتل بعضهم بعضا ، وكان بينهم حرب صبروا فيها ، فقتل منهم خلق كثير‏ .

‌‌‌‌وفيها قبض الملك أبي كاليجار على وزيره محمد بن جعفر بن أبي الفرج الملقب بذي السعادات بن فسانجس ، وسجنه ، وهرب ولده أبو الغنائم ، وبقي الوزير مسجونا إلى أن مات في شهر رمضان سنة أربعين [ وأربعمائة ] ، وقيل : أرسل إليه أبو كاليجار من قتله ، وعمره إحدى وخمسون سنة ، وللوزير ذي السعادات مكاتبات حسنة ، وشعر جيد ، منه : ‏ [ ص: 66 ]

أودعكم وإني ذو اكتئاب وأرحل عنكم والقلب آبي     وإن فراقكم في كل حال
لأوجع من مفارقة الشباب     أسير وما ذممت لكم جوارا
ولا ملت منازلكم ركابي     وأشكر كلما أوطنت دارا
ليالينا القصار بلا اجتناب     وأذكركم إذا هبت جنوب
فتذكرني غرارات التصابي     لكم مني المودة في اغتراب
وأنتم إلف نفسي في اقترابي

.

وهو أطول من هذا‏ .

ولما قبض ذو السعادات استوزر أبو كاليجار كمال الملك أبا المعالي بن عبد الرحيم .

[ الوفيات ]

فيها توفي أبو القاسم عبد الواحد بن محمد بن يحيى بن أيوب المعروف بالمطرز الشاعر ، وله شعر جيد ، فمن قوله في الزهد : ‏

يا عبد كم لك من ذنب ومعصية     إن كنت ناسيها فالله أحصاها
لا بد يا عبد من يوم تقوم به     ووقفة لك يدمي القلب ذكراها
إذا عرضت على قلبي تذكرها     وساء ظني فقلت استغفر الله



وفيها مات أبو الخطاب الجبلي الشاعر ، ومضى إلى الشام ، ولقي المعري ، وعاد ضريرا ، وله شعر ، منه قوله : ‏ [ ص: 67 ]

ما حكم الحب فهو ممتثل     وما جناه الحبيب محتمل
تهوى وتشكو الضنى وكل هوى     لا ينحل الجسم فهو منتحل


وفيها توفي أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن الخلال الحافظ ، ومولده سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة ، سمع أبا بكر القطيعي وغيره ، ومن أصحابه الخطيب أبو بكر الحافظ .

وفيها قتل الفقيه أحمد الولوالجي ، وهو من أعيان الفقهاء الحنفية ، إلا أنه كان يكثر الوقيعة في الأئمة والعلماء ، وسلك طريق الرياضة ، وفسد دماغه ، فقتل بين مرو وسرخس ( في ذي الحجة ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية