الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 228 ] قوله تعالى: زين للذين كفروا الحياة الدنيا في نزولها ثلاثة أقوال . أحدها: أنها نزلت في أبي جهل وأصحابه ، قاله ابن عباس . والثاني: نزلت في علماء اليهود ، قاله عطاء . والثالث: في عبد الله بن أبي وأصحابه من المنافقين ، قاله مقاتل . قال الزجاج: وإنما جاز في "زين" لفظ التذكير ، لأن تأنيث الحياة ليس بحقيقي ، إذ معنى الحياة ومعنى العيش واحد .

                                                                                                                                                                                                                                      وإلى من يضاف هذا التزيين فيه قولان . أحدهما: أنه يضاف إلى الله . وقرأ أبي بن كعب ، والحسن ، ومجاهد ، وابن محيصن ، وابن أبي عبلة: "زين" بفتح الزاي والياء ، على معنى: زينها الله لهم . والثاني: أنه يضاف إلى الشيطان ، روي عن الحسن . قال شيخنا علي بن عبيد الله: والتزيين من الله تعالى: هو التركيب الطبيعي ، فإنه وضع في الطبائع محبة المحبوب ، لصورة فيه تزينت للنفس ، وذلك من صنعه ، وتزيين الشيطان بإذكار ما وقع من إغفاله مما مثله يدعو إلى نفسه لزينته ، فالله تعالى يزين بالوضع ، والشيطان يزين بالإذكار .

                                                                                                                                                                                                                                      وما السبب في سخرية الكفار من المؤمنين؟ فيه ثلاثة أقوال . أحدها: أنهم سخروا منهم للفقر . والثاني: لتصديقهم بالآخرة . والثالث: لاتباعهم للنبي ، صلى الله عليه وسلم . وقيل: إنهم كانوا يوهمونهم أنكم على الحق ، سخرية منهم بهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي معنى كونهم "فوقهم" ثلاثة أقوال . أحدها: أن ذلك على أصله ، لأن المؤمنين في عليين ، والكفار في سجين . والثاني: أن حجج المؤمنين فوق شبه الكافرين ، فهم المنصورون . والثالث: في أن نعيم المؤمنين في الجنة فوق نعيم الكافرين في الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: والله يرزق من يشاء بغير حساب فيه قولان . أحدهما: أنه يرزق [ ص: 229 ] من يشاء رزقا واسعا غير ضيق . والثاني: يرزق من يشاء بلا محاسبة في الآخرة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية