الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                              قوله تعالى: إن شجرت الزقوم (43) طعام الأثيم (44) كالمهل يغلي في البطون (45) كغلي الحميم

                                                                                                                                                                                              قال الله تعالى: إن شجرت الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم وقال: أذلك خير نـزلا أم شجرة الزقوم إنا جعلناها فتنة للظالمين إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رءوس الشياطين فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم وقال: ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم هذا نـزلهم يوم الدين نحن خلقناكم فلولا تصدقون وقال: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا

                                                                                                                                                                                              وخرج الترمذي وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه " من حديث ابن [ ص: 248 ] عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ هذه الآية: اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن تكون طعامه؟! " .

                                                                                                                                                                                              وقال الترمذي : صحيح، وروي موقوفا على ابن عباس . وقال ابن إسحاق : حدثني حكيم بن حكيم، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: قال أبو جهل لما ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شجرة الزقوم: يخوفنا بها محمد، يا معشر قريش أتدرون ما شجرة الزقوم التي يخوفكم بها محمد؟ قالوا: لا، قال: عجوة يثرب بالزبد، والله لئن اهتمكنا منها لنتزقمنها تزقما، فأنزل الله فيه: إن شجرت الزقوم طعام الأثيم الآية، أي ليس كما تقول، وأنزل الله والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا .

                                                                                                                                                                                              وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله: فتنة للظالمين قال: زادتهم تكذيبا حين أخبرهم أن في النار شجرة . قال: يخبرهم أن في النار شجرة والنار تحرق الشجر . فأخبرهم أن غذاءها من النار .

                                                                                                                                                                                              وقد تقدم عن ابن عباس أن شجرة الزقوم نابتة في أصل سقر . وروي عن الحسن أن أصلها في قعر جهنم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها .

                                                                                                                                                                                              وقال سلام بن مسكين: سمعت الحسن تلا هذه الآية: إن شجرت الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم قال: إنها هناك قد حميت عليها جهنم . [ ص: 249 ] وقال مغيرة، عن إبراهيم وأبي رزين: كالمهل يغلي في البطون قال: الشجر يغلي .

                                                                                                                                                                                              قال جعفر بن سليمان : سمعت أبا عمران الجوني يقول: بلغنا أنه لا ينهش منها نهشة إلا نهشت منه مثلها .

                                                                                                                                                                                              وقد دل القرآن على أنهم يأكلون منها حتى تمتلئ منها بطونهم، فتغلي في بطونهم كما يغلي الحميم، وهو الماء الذي قد انتهى حره، ثم بعد أكلهم منها يشربون عليه من الحميم شرب الهيم .

                                                                                                                                                                                              قال ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة : الهيم: الإبل العطاش . وقال: السدي : هو داء يأخذ الإبل فلا تروى أبدا حتى تموت، فكذلك أهل جهنم لا يروون من الحميم أبدا، وعن مجاهد نحوه . وعن الضحاك في قوله: شرب الهيم قال: من العرب من يقول: هو الرمل، ومنهم من يقول: الإبل العطاش، وقد روي عن ابن عباس كلا القولين، ودل قوله سبحانه: ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم على أن الحميم يشاب به ما في بطونهم من الزقوم فيصير شوبا له، وقال عطاء الخراساني في هذه الآية: يقال: يخلط طعامهم ويشاب بالحميم . وقال قتادة : لشوبا من حميم مزاجا من حميم .

                                                                                                                                                                                              وعن سعيد بن جبير قال: إذا جاع أهل النار استغاثوا من الجوع فأغيثوا بشجرة الزقوم فأكلوا منها فانسلخت وجوههم حتى لو أن مارا مر عليهم يعرفهم لعرف جلود وجوههم، فإذا أكلوا منها ألقي عليهم العطش . فاستغاثوا من العطش فأغيثوا بماء كالمهل، والمهل: الذي قد انتهى حره، فإذا [ ص: 250 ] أدنوه من أفواههم أنضج حره الوجوه فيصهر به ما في بطونهم، ويضربون بمقامع من حديد فيسقط كل عضو على حياله يدعون بالثبور . وقوله تعالى: ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم أي: بعد أكل الزقوم وشرب الحميم عليه، ويدل هذا على أن الحميم خارج من الجحيم فهم يردونه كما ترد الإبل الماء، ثم يردون إلى الجحيم، ويدل على هذا أيضا قوله تعالى: هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن والمعنى أنهم يترددون بين جهنم والحميم فمرة إلى هذا، ومرة إلى هذا قاله قتادة وابن جريج ، وغيرهما .

                                                                                                                                                                                              وقال القرظي في قوله: يطوفون بينها وبين حميم آن قال: إن الحميم دون النار، فيؤخذ العبد بناصيته فيجر في ذلك الحميم حتى يذوب اللحم ويبقى العظم والعينان في الرأس، وهذا الذي يقول الله عز وجل: في الحميم ثم في النار يسجرون

                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية