الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1395 ص: حدثنا أحمد بن داود بن موسى ، قال: ثنا مسدد ، قال: ثنا يحيى بن سعيد ، عن عبيد الله بن عمر ، قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام - نحوه.

                                                التالي السابق


                                                ش: إسناده صحيح على شرط الشيخين وأخرجه الجماعة غير النسائي:

                                                فالبخاري : عن مسدد، قال: أخبرني يحيى بن سعيد ، عن عبيد الله، قال: ثنا سعيد المقبري ، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "أن النبي - عليه السلام - دخل المسجد، فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي - عليه السلام -، فرد النبي - عليه السلام - عليه السلام، فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل فصلى ثم جاء فسلم على النبي - عليه السلام -، فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، فصلى ثم جاء فسلم على النبي - عليه السلام -، فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل -ثلاثا- فقال: والذي بعثك بالحق فما أحسن غيره فعلمني، قال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها".

                                                ومسلم : عن محمد بن المثنى ، عن يحيى بن سعيد ، عن عبيد الله ... إلى آخره نحوه.

                                                وأبو داود : عن القعنبي ، عن أنس، يعني: ابن عياض .

                                                قال: ونا ابن المثنى، قال: حدثني ابن سعيد ، عن عبيد الله -وهذا لفظ ابن المثنى- قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد ، عن أبيه، عن أبي هريرة: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد ... " الحديث نحوه.

                                                [ ص: 239 ] والترمذي : عن محمد بن بشار ، عن يحيى بن سعيد القطان، قال: أنا عبيد الله بن عمر، قال: أخبرني سعيد بن أبي سعيد ، عن أبيه، عن أبي هريرة: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد ... " الحديث نحوه.

                                                وابن ماجه : عن ابن أبي شيبة ، عن عبد الله بن نمير ، عن عبيد الله بن عمر ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة: "أن رجلا دخل المسجد فصلى، ورسول الله - عليه السلام - في ناحية المسجد، فجاء فسلم، فقال: وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل ... " الحديث.

                                                قوله: "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن" ينافي فرضية قراءة فاتحة الكتاب; إذ لو كانت فرضا لأمره النبي - عليه السلام - بذلك، بل هو صريح في الدلالة على أن الفرض مطلق القراءة كما هو مذهب أبي حنيفة، وقال الخطابي: قوله: "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن" ظاهره الإطلاق والتخيير، والمراد منه فاتحة الكتاب لمن أحسنها لا يجزئه غيرها، بدليل قوله: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" وهذا في الإطلاق كقوله تعالى: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ثم كان أقل ما يجزئ من الهدي معينا معلوم المقدار ببيان السنة، وهو الشاة.

                                                قلت: يريد الخطابي أن يتخذ لمذهبه دليلا على حسب اختياره بكلام ينقض آخره أوله حيث اعترف أولا أن ظاهر هذا الكلام الإطلاق والتخيير وحكم المطلق أن يجري على إطلاقه، وكيف يكون المراد منه فاتحة الكتاب وليس فيه الاحتمال.

                                                وقوله: "وهذا في الإطلاق كقوله تعالى ... " إلى آخره فاسد; لأن الهدي اسم لما يهدى إلى الحرم، وهو يتناول الإبل والبقر والغنم، وأقل ما يجزئ شاة، فيكون مرادا بالسنة بخلاف قوله: "ما تيسر معك من القرآن" فإنه ليس كذلك، فإنه يتناول كل [ ص: 240 ] ما يطلق عليه اسم القرآن، فيتناول الفاتحة وغيرها، ثم تخصيصه بالفاتحة من غير مخصص ترجيح بلا مرجح، وهو باطل، ولا يجوز أن يكون قوله: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" مخصصا; لأنه ينافي معنى اليسر فينقلب إلى عسر، وهو باطل.

                                                قوله: "ثم افعل ذلك" أي ما ذكرنا من الهيئات في صلاتك كلها.

                                                وقال الخطابي: وفيه دلالة على أن يقرأ في كل ركعة كما كان عليه أن يركع ويسجد في كل ركعة. وقال أصحاب الرأي: إن شاء أن يقرأ في الركعتين الأخريين قرأ، وإن شاء أن يسبح سبح وإن لم يقرأ فيهما شيئا أجزأه، ورووا فيه عن علي بن أبي طالب أنه قال: "يقرأ الأولين ويسبح في الأخريين" من طريق الحارث عنه، وقد تكلم الناس في الحديث قديما، وممن طعن فيه الشعبي ورماه بالكذب، وتركه أصحاب الصحيح، ولو صح عن علي - رضي الله عنه - لم يكن حجة; لأن جماعة من الصحابة قد خالفوه في ذلك منهم: أبو بكر وعمر وابن مسعود وعائشة - رضي الله عنهم - وغيرهم، وسنة رسول الله - عليه السلام - أولى ما اتبع، بل قد ثبت عن علي - رضي الله عنه - من طريق عبيد الله بن أبي رافع: "أنه كان يأمر أن يقرأ في الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب" .

                                                قلت: وإن دل قوله ذلك على أن يقرأ في كل ركعة، فقد دل غيره أن القراءة في الأوليين قراءة في الأخريين، بدليل ما روي عن جابر بن سمرة قال: "شكا أهل الكوفة سعدا ... " الحديث ، وفيه: "واحذف في الأخريين" أي احذف القراءة في الأخريين، وتفسيره بقولهم: أقصر الصلاة ولا أحذفها; كلها خلاف الظاهر، وقوله: "لأن جماعة من الصحابة قد خالفوه" غير مسلم; لأنه روي عن ابن مسعود مثله.

                                                [ ص: 241 ] على ما روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن علي وعبد الله: "أنهما قالا: اقرأ في الأوليين وسبح في الأخريين".

                                                وكذا روي عن عائشة، وكذا روي عن إبراهيم والأسود .

                                                وروى عبد الرزاق في "مصنفه" : عن معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن أبي رافع قال: "كان علي - رضي الله عنه - يقرأ في الأوليين من الظهر والعصر بأم القرآن وسورة، ولا يقرأ في الأخريين".

                                                وهذا إسناد صحيح، وينافي قول الخطابي: "بل قد ثبت عن علي - رضي الله عنه - من طريق عبيد الله ... " إلى آخره.

                                                وفي "التهذيب" لابن جرير الطبري: وقال حماد: عن إبراهيم، عن ابن مسعود: "أنه كان لا يقرأ في الركعتين الأخريين من الظهر والعصر شيئا".

                                                وقال هلال بن سنان: "صليت إلى جنب عبد الله بن يزيد، فسمعته يسبح".

                                                وروى منصور ، عن جرير، عن إبراهيم قال: "ليس في الركعتين الأخريين من المكتوبة قراءة، سبح الله واذكر الله".

                                                وقال سفيان الثوري: اقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب -أو سبح فيهما بقدر الفاتحة- أي ذلك فعلت أجزأك، وإن سبح في الأخريين أحب إلي". والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية