الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1395 ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذين الحديثين بالفرض الذي لا بد منه ولا تتم الصلاة إلا به ما هو، فعلمنا أن ما سوى ذلك إنما أريد به أدنى ما يبتغى به الفضل، وإن كان ذلك الحديث -الذي ذلك فيه- منقطعا غير [ ص: 242 ] مكافئ لهذين الحديثين في إسنادهما، وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد- رحمهم الله.

                                                التالي السابق


                                                ش: أراد بهذين الحديثين: الحديث الذي رواه رفاعة بن رافع، والحديث الذي رواه أبو هريرة; فإن فيهما أخبر بمقدار الفرض في الركوع والسجود الذي لا بد منه ولا تتم الصلاة إلا به، فعلمنا من ذلك أن ما سوى ذلك من الأحاديث نحو حديث ابن مسعود الذي احتج به أهل المقالة الأولى وأمثاله إنما يراد بها طلب الفضيلة والكمال.

                                                قوله: "وإن كان ذلك الحديث" أراد به حديث ابن مسعود الذي ذكر في أول الباب، و"الواو" في "وإن" للحال، و"إن" مخففة من المثقلة، والتقدير: والحال أنه أي أن الشأن "كان ذلك الحديث" أي حديث ابن مسعود "الذي ذلك فيه" أي في الحديث، وذلك إشارة إلى قوله: "أدنى ما يبتغى به الفضل" أي أدنى ما يطلب به الفضيلة والكمال.

                                                قوله: "منقطعا" حال من الحديث.

                                                وقوله: "غير مكافئ" بنصب "غير"; لأنه خبر "كان" أي غير مماثل ولا نظير لهذين الحديثين، أعني حديثي رفاعة وأبي هريرة في قوة إسنادهما.

                                                الحاصل: أنه أجاب عن حديث ابن مسعود بثلاثة أجوبة.

                                                أشار إلى الجواب الأول بقوله: "إنما أريد به أدنى ما يبتغى الفضل".

                                                وإلى الثاني: بقوله "منقطعا" لأن حديث ابن مسعود منقطع كما ذكرنا هناك; لأن راويه هو عون بن عبد الله عن ابن مسعود ، وعون لم يلق ابن مسعود; فإذا كان منقطعا فلا تقوم به الحجة.

                                                وإلى الثالث: بقوله: "غير مكافئ لهذين الحديثين في إسنادهما" حاصله: ولئن سلمنا عدم الانقطاع; فإنه لا يماثل حديثي رفاعة وأبي هريرة لقوة إسنادهما واستقامة مخرجهما; وذلك لأنا قد ذكرنا أن حديث أبي هريرة أخرجه الشيخان [ ص: 243 ] وغيرهما، وحديث رفاعة مخرج على شرط البخاري، وحديث ابن مسعود ليس كذلك، فلا يعارضهما، وتعين الحكم لحديثي رفاعة وأبي هريرة. فافهم.

                                                قوله: "وهذا قول أبي حنيفة ... " إلى آخره أي ما ذكرنا من أن مقدار الركوع: أن يركع حتى يستوي راكعا، ومقدار السجود: أن يسجد حتى يطمئن ساجدا. هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، وقد ذكرنا أن الطحاوي لم ينصب بينهم خلافا كما قد نصبه غيره من المتأخرين، والله تعالى أعلم.




                                                الخدمات العلمية