الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله

                                                                                                          حدثني مالك عن ابن شهاب أنه بلغه أن نساء كن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلمن بأرضهن وهن غير مهاجرات وأزواجهن حين أسلمن كفار منهن بنت الوليد بن المغيرة وكانت تحت صفوان بن أمية فأسلمت يوم الفتح وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمه وهب بن عمير برداء رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانا لصفوان بن أمية ودعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وأن يقدم عليه فإن رضي أمرا قبله وإلا سيره شهرين فلما قدم صفوان على رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه ناداه على رءوس الناس فقال يا محمد إن هذا وهب بن عمير جاءني بردائك وزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك فإن رضيت أمرا قبلته وإلا سيرتني شهرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انزل أبا وهب فقال لا والله لا أنزل حتى تبين لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل لك تسير أربعة أشهر فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هوازن بحنين فأرسل إلى صفوان بن أمية يستعيره أداة وسلاحا عنده فقال صفوان أطوعا أم كرها فقال بل طوعا فأعاره الأداة والسلاح الذي عنده ثم خرج صفوان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كافر فشهد حنينا والطائف وهو كافر وامرأته مسلمة ولم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين امرأته حتى أسلم صفوان واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          20 - باب نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله

                                                                                                          1154 1134 - ( مالك ، عن ابن شهاب أنه بلغه ) قال ابن عبد البر : لا أعلمه يتصل من وجه صحيح ، وهو حديث مشهور معلوم عند أهل السير ، وابن شهاب إمام أهلها ، وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده إن شاء الله . ( أن نساء كن في عهد رسول الله ) أي زمنه ( - صلى الله عليه وسلم - يسلمن بأرضهن وهن غير مهاجرات وأزواجهن حين أسلمن كفار منهن ) فاختة ، بفاء ومعجمة وفوقية ( بنت الوليد بن المغيرة ) المخزومية ، أخت خالد بن الوليد ( وكانت تحت صفوان بن أمية ) بن خلف بن وهب الجمحي أحد الفصحاء والمطعمين في الجاهلية وأحد من انتهى إليه شرف الجاهلية ووصله لهم الإسلام ( فأسلمت يوم الفتح ) وبايعت قبل إسلام زوجها بشهر ، وليس لها حديث . ( وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام ) بغضا فيه حتى هداه الله ( فبعث إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن عمه ) أي صفوان ( وهب بن عمير ) بضم العين ، مصغر ، ابن وهب بن حذافة بن جمح القرشي الجمحي الصحابي ابن الصحابي ، قال ابن [ ص: 237 ] دريد : كان وهب من أحفظ الناس فكانت قريش تقول : له قلبان من شدة حفظه فأنزل الله : ( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) ( سورة الأحزاب : الآية 4 ) فلما كان يوم بدر أقبل منهزما ونعلاه واحدة في يده والأخرى في رجله ، فقالوا : ما فعل الناس ؟ قال : هزموا ، فقالوا : فأين نعلاك ؟ قال : في رجلي ، قالوا : فما في يدك ؟ فقال : ما شعرت ، فعلموا أنه ليس له قلبان ( برداء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمانا لصفوان بن أمية ، ودعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام وأن يقدم عليه فإن رضي أمرا قبله وإلا سيره شهرين ) أنظره فيهما ليتروى ، قال في الإصابة : المعروف أن هذه القصة ، أي البعث بالرداء والأمان ، كانت لأبي وهب عمير بن وهب كما ذكره موسى بن عقبة وغيره من أهل المغازي ( فلما قدم صفوان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بردائه ناداه على رءوس الناس ) جهرا ( فقال : يا محمد إن هذا وهب ) بالنصب والرفع ( ابن عمير جاءني بردائك ، وزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك فإن رضيت ) بضم التاء ( أمرا ) أي الإسلام ( قبلته وإلا سيرتني شهرين ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : انزل أبا وهب ) كنية صفوان ، خاطبه بها تعظيما واستئلافا مع أن صفوان خاطبه باسمه فأغضى عن ذلك : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ( سورة القلم : الآية 4 ) ( فقال : لا والله لا أنزل حتى تبين لي ) هل خبر وهب كما قال أم لا ؟ ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بل لك تسيير أربعة أشهر ) فزاده شهرين على ما بعث به إليه تفضلا وزيادة في الاستئلاف ( فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) في شوال سنة ثمان ( قبل ) بكسر القاف وفتح الباء ، جهة ( هوازن ) قبيلة كبيرة فيها عدة بطون ينسبون إلى هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة ، بمعجمة فمهملة ففاء مفتوحات ، ابن قيس عيلان ، بمهملة ، ابن إلياس بن مضر ( بحنين ) واد بين مكة والطائف ( فأرسل إلى صفوان بن أمية يستعير ) أي منه ( أداة ) كترس وخودة ( وسلاحا عنده فقال ) صفوان ( أطوعا أم كرها ؟ فقال : بل طوعا ) وفي رواية : فقال : " أغصبا يا محمد ؟ فقال : بل عارية ، مضمونة ، حتى نردها إليك ، فقال : [ ص: 238 ] ليس بهذا بأس " ( فأعاره الأداة والسلاح التي عنده ) وفي رواية : " فأعطى له مائة درع بما فيها من السلاح فسأله - صلى الله عليه وسلم - أن يكفيهم حملها فحملها إلى أوطاس " . ويقال : أعاره أربعمائة درع بما يصلحها فإن صح فالمائة داخلة في الأربعمائة . ( ثم خرج صفوان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) وفي نسخة : ثم رجع ( وهو كافر فشهد حنينا والطائف وهو كافر وامرأته مسلمة ، ولم يفرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين امرأته ) فاختة ( حتى أسلم صفوان ) حين أعطاه من الغنائم فأكثر فقال : أشهد ما طابت بهذا إلا نفس نبي فأسلم . وروى مسلم والترمذي عنه : " والله لقد أعطاني النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنه لأبغض الناس إلي فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي " . ( واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح ) لإسلامه في عدتها .




                                                                                                          الخدمات العلمية