الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                والمعاني التي يوصف بها الرب تعالى كالحياة والعلم والقدرة بل الوجود والثبوت والحقيقة ونحو ذلك : تجب لوازمها فإن ثبوت الملزوم يقتضي ثبوت اللازم ، وخصائص المخلوق التي يجب تنزيه الرب عنها ليست من لوازم ذلك أصلا بل تلك من لوازم ما يختص بالمخلوق من وجود وحياة وعلم ونحو ذلك [ ص: 76 ] والله سبحانه منزه عن خصائص المخلوقين وملزومات خصائصهم

                وهذا الموضع من فهمه فهما جيدا وتدبره : زالت عنه عامة الشبهات وانكشف له غلط كثير من الأذكياء في هذا المقام وقد بسط هذا في مواضع كثيرة

                وبين فيها أن القدر المشترك الكلي لا يوجد في الخارج إلا معينا مقيدا وأن معنى اشتراك الموجودات في أمر من الأمور هو تشابهها من ذلك الوجه وأن ذلك المعنى العام يطلق على هذا وهذا ; لأن الموجودات في الخارج لا يشارك أحدهما الآخر في شيء موجود فيه بل كل موجود متميز عن غيره بذاته وصفاته وأفعاله

                ولما كان الأمر كذلك كان كثير من الناس متناقضا في هذا المقام ; فتارة يظن أن إثبات القدر المشترك يوجب التشبيه الباطل فيجعل ذلك له حجة فيما يظن نفيه من الصفات حذرا من ملزومات التشبيه وتارة يتفطن أنه لا بد من إثبات هذا على تقدير فيجيب به فيما يثبته من الصفات لمن احتج به من النفاة

                ولكثرة الاشتباه في هذا المقام : وقعت الشبهة في أن وجود الرب هل هو عين ماهيته أو زائد على ماهيته ؟ وهل لفظ الوجود مقول بالاشتراك اللفظي أو التواطؤ أو التشكيك ؟ كما وقع الاشتباه في إثبات الأحوال ونفيها [ ص: 77 ] وفي أن المعدوم هل هو شيء أم لا ؟ وفي وجود الموجودات هل هو زائد على ماهيتها أم لا ؟ وقد كثر من أئمة النظار الاضطراب والتناقض في هذه المقامات ; فتارة يقول أحدهم القولين المتناقضين ويحكي عن الناس مقالات ما قالوها ; وتارة يبقى في الشك والتحير

                وقد بسطنا من الكلام في هذه المقامات وما وقع من الاشتباه والغلط والحيرة فيها لأئمة الكلام والفلسفة ما لا تتسع له هذه الجمل المختصرة

                وبينا أن الصواب هو أن وجود كل شيء في الخارج هو ماهيته الموجودة في الخارج ; بخلاف الماهية التي في الذهن فإنها مغايرة للموجود في الخارج ; وأن لفظ الذات والشيء والماهية والحقيقة ونحو ذلك فهذه الألفاظ كلها متواطئة

                فإذا قيل : إنها مشككة لتفاضل معانيها فالمشكك نوع من المتواطئ العام الذي يراعى فيه دلالة اللفظ على القدر المشترك سواء كان المعنى متفاضلا في موارده أو متماثلا . وبينا أن المعدوم شيء أيضا في العلم والذهن لا في الخارج فلا فرق بين الثبوت والوجود لكن الفرق ثابت بين الوجود العلمي والعيني مع أن ما في العلم ليس هو الحقيقة الموجودة ولكن هو العلم التابع للعالم القائم به

                وكذلك الأحوال التي تتماثل فيها الموجودات وتختلف : لها وجود في [ ص: 78 ] الأذهان وليس في الأعيان إلا الأعيان الموجودة وصفاتها القائمة بها المعينة فتتشابه بذلك وتختلف به

                وأما هذه الجملة المختصرة فإن المقصود بها التنبيه على جمل مختصرة جامعة من فهمها علم قدر نفعها وانفتح له باب الهدى وإمكان إغلاق باب الضلال ; ثم بسطها وشرحها له مقام آخر ; إذ لكل مقام مقال

                " والمقصود " : هنا أن الاعتماد على مثل هذه الحجة فيما ينفى عن الرب وينزه عنه - كما يفعله كثير من المصنفين - خطأ لمن تدبر ذلك وهذا من طرق النفي الباطلة .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية