الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              214 (49) باب

                                                                                              إعطاء من يخاف على إيمانه

                                                                                              [ 119 ] عن سعد بن أبي وقاص ; قال : قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسما ، فقلت : يا رسول الله ! أعط فلانا فإنه مؤمن ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أو مسلم ، أقولها ثلاثا ، ويرددها علي ثلاثا : أو مسلم ، ثم قال : إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه ، مخافة أن يكبه الله في النار .

                                                                                              وفي رواية قال : ما لك عن فلان ؟ فوالله إني لأراه مؤمنا .

                                                                                              وفي أخرى : قال : فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده بين عنقي وكتفي ، ثم قال : أقتالا ؟ أي سعد ! إني لأعطي الرجل . . ، وذكر نحوه .

                                                                                              رواه أحمد ( 1 \ 182 ) ، والبخاري ( 1478 ) ، ومسلم ( 150 ) ، وأبو داود ( 4683 ) و (4684 ) و (4685 ) ، والنسائي ( 8 \ 103 - 104 ) .

                                                                                              [ ص: 366 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 366 ] (49) ومن باب إعطاء من يخاف على إيمانه

                                                                                              (قوله : " أعط فلانا فإنه مؤمن ، فقال : أو مسلم ") دليل على صحة ما قدمناه من الفرق بين حقيقتي الإيمان والإسلام ، وأن الإيمان من أعمال الباطن ، وأن الإسلام من أعمال الجوارح الظاهرة ، وفيه رد على غلاة المرجئة والكرامية ، حيث حكموا بصحة الإيمان لمن نطق بالشهادتين وإن لم يعتقد بقلبه ، وهو قول باطل قطعا ; لأنه تسويغ للنفاق .

                                                                                              وفيه حجة لمن يقول : أنا مؤمن بغير استثناء . وهي مسألة اختلف فيها السلف ، فمنهم المجيز والمانع . وسبب الخلاف النظر إلى الحال أو إلى المآل ، فمن منع خاف من حصول شك في الحال أو تزكية ، ومن أجاز صرف الاستثناء إلى الاستقبال وهو غيب في الحال ; إذ لا يدري بما يختم له . والصواب : الجواز إذا أمن الشك والتزكية ، فإنه تفويض إلى الله تعالى .

                                                                                              و (قوله : " أو مسلما ") الرواية بسكون الواو ، وقد غلط من فتحها وأحال المعنى ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرد استفهامه ، وإنما أشار له إلى القسم الآخر المختص بالظاهر الذي يمكن أن يدرك ، فجاء بأو التي للتقسيم والتنويع .

                                                                                              [ ص: 367 ] و (قوله : " مخافة أن يكبه الله في النار ، الرواية يكبه بفتح الياء وضم الكاف ، من كب ثلاثيا . ولا يجوز هنا غيره ; لأن رباعيه لازم ، ولم يأت في لسان العرب فعل ثلاثيه متعد ورباعيه غير متعد إلا كلمات قليلة ، يقال : أكب الرجل وكببته ، وأقشع الغيم وقشعته الريح ، وأنسل ريش الطائر ووبر البعير ونسلته أنا ، وأنزفت البئر : قل ماؤها ونزفتها أنا ، وأمرت الناقة : قل درها ومريتها أنا ، وأشنق البعير أي : رفع رأسه ، وشنقته أنا .

                                                                                              و (قوله : " والله إني لأراه مؤمنا ") الرواية بضم الهمزة ، بمعنى أظنه ، وهو من سعد حلف على ما ظنه ، فكانت هذه اليمين لاغية ، ولذلك لم ينكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا أمره بكفارة عنها ، فكان فيه دليل على جواز الحلف على الظن ، وأنها هي اللاغية ، وهو قول مالك والجمهور .

                                                                                              و (قوله : " أقتالا ؟ أي سعد ! ") هو مصدر ، أي : أتقاتلني قتالا ؟ فحذف الفعل ; لدلالة المصدر عليه . ومعنى القتال هنا : الدفع والمكابدة ، وهذا كقوله في المار بين يدي المصلي : فإن أبى ، فليقاتله ، أي : فليدافعه ويمنعه من المرور .




                                                                                              الخدمات العلمية