الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال: (أما قوله: الأجسام لو كانت أزلية: فإما أن تكون متحركة أو ساكنة في الأزل.

قلنا: لم لا يجوز أن تكون متحركة؟.

قوله: يلزم الجمع بين المسبوقية بالغير وعدم المسبوقية بالغير في شيء واحد.

قلنا: لا نسلم، وهذا لأن المسبوق بالغير هو الحركة، وغير المسبوق بالغير هو الجسم. [ ص: 388 ]

فإن قال: (إذا كانت الحركة أزلية كانت الحركة من حيث هي هي غير مسبوقة بالغير، لكن الحركة من حيث هي هي مسبوقة بغير؛ لأنها تغير وانتقال فتقتضي المسبوقية بالغير، فيلزم الجمع بين المسبوقية بالغير وعدم المسبوقية بالغير في الحركة.

قلنا: إذا ادعيتم ذلك فنقول: لا نسلم أن الجسم لو كان أزليا لكانت الحركة من حيث هي هي حركة أزلية.

ولم لا يجوز أن يكون الجسم أزليا، ويصدق عليه أنه متحرك دائما بأن تتعاقب عليه الحركات المعينة، ولا يصدق على الحركات الموجودة في الأعيان أنها أزلية، ضرورة اتصاف كل واحد منها بكونها مسبوقة بالغير؟) .

قلت: هذا مضمونه ما نبه عليه في غير هذا الموضع: أن حدوث كل من الأعيان لا يستلزم حدوث النوع الذي لم يزل ولا يزال.

وأما قوله: (لو كانت الأجسام متحركة لكانت لا تخلو عن الحوادث).

قلنا: نعم: ولكن لم قلتم بأن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث؟.

قوله: لو لم يكن كذلك لكان الحادث أزليا.

قلنا: لا نسلم، وإنما يلزم ذلك لو كان شيء من الحركات بعينها لازما للجسم، وليس كذلك، بل قبل كل حركة حركة، لا إلى أول إلى ما لا نهاية) .

قلت: هذا من نمط الذي قبله، فإن الأزلي اللازم هو نوع الحادث، لا عين الحادث. [ ص: 389 ]

قوله: لو كانت حادثة في الأزل لكان الحادث اليومي موقوفا على انقضاء ما لا نهاية له.

قلنا: لا نسلم، بل يكون الحادث اليومي مسبوقا بحوادث لا أول لها، ولم قلتم: إن ذلك غير جائز؟ .

قلت: مضمونه أنه يكون موقوفا على انقضاء ما لا ابتداء له، ولا أول له، وهو لا نهاية له من الطرف الأول، لكن له نهاية من الطرف الآخر.

قوله: لو كانت متحركة في الأزل لحصلت جملتان، إحداهما: من الحركة اليومية، والثانية: من الحركة التي وقعت في الأمس.

قلنا: لا نسلم، وإنما يلزم ذلك لو كانت الحركات مجتمعة في الوجود.

قلت: هذا مضمونه أن التطبيق لا يكون إلا بين موجودين، ولكن يقال التطبيق في الخارج لا يكون إلا بين موجودين، ولكن يمكن تقدير التطبيق بين معدومين، لا سيما إذا كانا قد دخلا جميعا في الوجود، فالمطبق بينهما إما أن يكونا مقدرين في الأذهان، لا يوجدان في الأعيان بحال، كالأعداد المجردة عن المعدودات، أو معدومين منتظرين كالمستقبلات، أو معدومين ماضيين كالحوادث المتقدمة، أو موجودين كالمقادير الموجودة والمعدودات الموجودة.

ويجاب عن هذا بجواب ثان: وهو: أن الجملتين اللتين طبقت إحداهما على الأخرى، مع التفاوت في أحد الطرفين وعدم التناهي في الآخر، هما متفاضلتان [ ص: 390 ] في الطرف الواحد، وتنطبق إحداهما على الأخرى في الطرف الآخر، فلا يصدق ثبوت مطابقة إحداهما للأخرى مطلقا، ولا نفي المطابقة مطلقا، بل يصدق ثبوت الانطباق من أحد الطرفين وانتفاؤه من الآخر، وحينئذ فلا يكون الزائد مثل الناقص: ولا يكونان متناهيين.

التالي السابق


الخدمات العلمية