الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى إن بعث الرسل كان بمقتضى حكمة الله (تعالى) حتما لازما؛ لكيلا يكون للناس حجة؛ وكانت البينة المثبتة لرسالة الرسول تكون بإرادة من أرسله؛ وهو - سبحانه وتعالى - المرسل؛ والعليم بما يؤمن عليه البشر من آيات تدل على رسالة من أرسله.

                                                          ولو أنه - سبحانه وتعالى - لم يرسل رسلا؛ وكان الهلاك؛ لقامت لهم حجة؛ ولذا قال - سبحانه -: ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله [ ص: 4817 ] الضمير في "قبله "؛ يعود إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -; لأن المناقشة مع المشركين؛ فهو حاضر في الذهن؛ وإن لم يكن مذكورا باللفظ؛ ويصح أن يعود إلى القرآن; لأنه البينة المثبتة لكل ما في صحف إبراهيم؛ ونوح؛ وموسى؛ وعيسى؛ وغيرهم؛ والمعنى: لو ثبت أنا أهلكناهم بكفرهم وضلالهم؛ وأنهم يعيثون في الأرض فسادا؛ لقالوا: ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا يكون قولهم يوم القيامة ضارعا؛ إذ ينادون: "ربنا "؛ خالقنا؛ والقائم على أمورنا وحياتنا: لولا أرسلت إلينا رسولا أي: هلا أرسلت إلينا رسولا يرشدنا ويعلمنا؛ ويجنبنا طريق الباطل؛ ويهدينا إلى الطريق المستقيم؛ فنتبع آياتك الفاء للسببية؛ أي: بسبب الرسل نتبع آياتك البينات؛ والمراد الآيات الشرعية التكليفية؛ أو نتبع خاضعين لموجب ما تدل عليه آياتك في هذا الوجود كله: من قبل أن نذل باتباع الباطل؛ والهلاك؛ "ونخزى "؛ أي: نصاب بالخزي والعار في الدنيا والآخرة.

                                                          وإن أمر الشرك وأهله لعجب; لأن الضلال إذا سيطر كان العجب؛ فإذا أرسل إليهم رسول جحدوا وعنتوا معه؛ وعاندوه؛ ولم تعجبهم حجة؛ لفرط إنكارهم؛ لا لنقص في الدليل الذي قدم إليهم برهانا ساطعا؛ وإن لم يرسل؛ وعذبوا؛ قالوا هلا أرسل إلينا رسول من قبل أن نذل ونخزى؟ إنه ليس لهم إلا أن يروا عاقبة جحودهم؛ وعنادهم؛ ولذا قال - عز من قائل -:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية