الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب حكم أموال المرتدين وجناياتهم 3232 - ( عن طارق بن شهاب قال : جاء وفد بزاخة من أسد وغطفان إلى أبي بكر يسألونه الصلح فخيرهم بين الحرب المجلية ، والسلم المخزية ، فقالوا : هذه المجلية [ ص: 243 ] قد عرفناها ، فما المخزية ؟ قال : ننزع منكم الحلقة والكراع ونغنم ما أصبنا منكم وتردون علينا ما أصبتم منا ، وتدون قتلانا وتكون قتلاكم في النار ، وتتركون أقواما يتبعون أذناب الإبل حتى يري الله خليفة رسوله والمهاجرين والأنصار أمرا يعذرونكم به ، فعرض أبو بكر ما قال على القوم ، فقام عمر بن الخطاب فقال : قد رأيت رأيا وسنشير عليك ، أما ما ذكرت من الحرب المجلية ، والسلم المخزية فنعم ما ذكرت ، وأما ما ذكرت أن نغنم ما أصبنا منكم وتردون ما أصبتم منا فنعم ما ذكرت ، وأما ما ذكرت تدون قتلانا وتكون قتلاكم في النار فإن قتلانا قاتلت فقتلت على أمر الله ، أجورها على الله ليس لها ديات ، فتبايع القوم على ما قال عمر . رواه البرقاني على شرط البخاري ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            هذا الأثر أخرج بعضه البخاري في صحيحه ، وأخرج بقيته البرقاني في مستخرجه بطوله كما ذكره المصنف . وأخرجه أيضا البيهقي من حديث ابن إسحاق عن عاصم بن حمزة . قوله : ( بزاخة ) بضم الباء الموحدة ثم زاي وبعد الألف خاء معجمة : هو موضع قيل بالبحرين ، وقيل ماء لبني أسد كذا في التلخيص .

                                                                                                                                            وفي القاموس : وبزاخة بالضم : موضع به وقعة أبي بكر رضي الله عنه انتهى . قوله

                                                                                                                                            ( المجلية ) يحتمل أن يكون بالخاء المعجمة : أي المهلكة . قال في القاموس : خلا مكانه : مات ، وقال أيضا : خلا المكان خلوا وخلاء وأخلى واستخلى : فرغ ، ومكانه خلاء : ما فيه أحد ، وأخلاه : جعله أو وجده خاليا ، وخلا : وقع في موضع خال لا تزاحم فيه . انتهى . ويحتمل أن يكون بالجيم ، قال في القاموس : جلا القوم عن الموضع ، ومنه جلوا وأجلوا : تفرقوا ، أو جلا من الخوف ، وأجلى من الجدب . انتهى . والمراد الحرب المفرقة لأهلها لشدة وقعها وتأثيرها . وقال في الفتح : المجلية بضم الميم وسكون الجيم بعدها لام مكسورة ثم تحتانية من الجلاء بفتح الجيم وتخفيف اللام مع المد ، ومعناه الخروج عن جميع المال . قوله : ( والسلم المخزية ) بالخاء المعجمة والزاي : أي المذلة ، قال في القاموس : خزي كرضي خزيا بالكسر وخزى : وقع في شهرة فذل بذلك كاخزوزى وأخزاه الله : فضحه ، ومن كلامهم لمن أتى بمستهجن : ما له أخزاه الله ؟ . قال : وخزي بالكسر خزاية وخزى بالقصر : استحيا . انتهى .

                                                                                                                                            قوله : ( الحلقة ) بفتح الحاء المهملة وسكون اللام بعدها قاف . قال في القاموس : الحلقة : الدرع والخيل . انتهى . وقال في النهاية : والحلقة بسكون اللام : السلاح عاما ، وقيل : الدروع خاصة ، والمراد بالكراع : الخيل . قال في القاموس : هو اسم لجميع الخيل ، فعلى هذا يكون المراد بالحلقة : الدروع أو هي سائر السلاح الذي يحارب به . قوله : ( يتبعون أذناب الإبل ) أي يمتهنون بخدمة الإبل ورعيها والعمل بها لما في ذلك من الذلة والصغار . وقد استدل بالأثر المذكور على أنه [ ص: 244 ] يجوز مصالحة الكفار المرتدين على أخذ أسلحتهم وخيلهم ، ورد ما أصابوه من المسلمين .

                                                                                                                                            وقد اختلف هل يملك الكفار ما أخذوه على المسلمين ؟ فذهب الهادي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إلى أنهم يملكون علينا ما استولوا عليه قهرا ، وإذا استولينا عليه فصاحبه أحق بعينه ما لم يقسم ، فإن قسم لم يستحقه إلا بدفع القيمة لمن صار في يده . وذهب أبو بكر الصديق وعمر وعبادة بن الصامت وعكرمة والشافعي والمؤيد بالله إلى أنهم لا يملكون علينا ، ولو أدخلوه قهرا فصاحبه أحق به قبل القسمة وبعدها بلا شيء ، وأما ما أخذوه من أموال أهل الإسلام في دارهم قهرا كالعبد الآبق ، فذهب الهادي والنفس الزكية وأبو حنيفة إلى أنهم لا يملكونه علينا إذ دار الحرب دار إباحة فالملك فيها غير حقيقي .

                                                                                                                                            وذهب مالك والأوزاعي والزهري وعمرو بن دينار وأبو يوسف ومحمد إلى أنهم يملكونه علينا ، وهو مروي عن أبي طالب ولعله يأتي تحقيق هذا البحث إن شاء الله تعالى . .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية