الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله - تعالى - أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا .

                                                                                                                                                                                                                                      أم هذه هي المنقطعة ، وقد قدمنا أنها تأتي بمعنى الإضراب ، وتأتي بمعنى همزة الإنكار ، وتأتي بمعناهما معا ، وهو الظاهر في هذه الآية الكريمة .

                                                                                                                                                                                                                                      فأم فيها على ذلك تفيد معنى الإضراب والإنكار معا ، فهو بمعنى دع هذا ، واسمع قولهم المستنكر لظهور كذبهم فيه أن محمدا افترى هذا القرآن ، وقد كذبهم الله في [ ص: 215 ] هذه الدعوى في آيات كثيرة ، كقوله - تعالى - : أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله الآية [ 10 \ 38 ] . وقوله : أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات [ 11 \ 13 ] . وقوله - تعالى - : وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه [ 10 \ 37 ] . والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله - تعالى - في هذه الآية الكريمة : قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا أي إن كنت افتريت هذا القرآن ، على سبيل الفرض .

                                                                                                                                                                                                                                      والتقدير : عاجلني الله بعقوبته الشديدة ، وأنتم لا تملكون لي منه شيئا ، أي لا تقدرون أن تدفعوا عني عذابه إن أراد أن يعذبني على الافتراء ، فكيف أفتريه لكم ، وأنتم لا تقدرون على دفع عذاب الله عني ؟

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا المعنى الذي تضمنته هذه الآية الكريمة جاء موضحا في غير هذا الموضع ، كقوله - تعالى - : ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين [ 69 \ 44 - 47 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      فقوله - تعالى - في آية " الحاقة " هذه : ولو تقول علينا بعض الأقاويل كقوله في آية " الأحقاف " : قل إن افتريته .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله في " الحاقة " : فما منكم من أحد عنه حاجزين يوضح معنى قوله فلا تملكون لي من الله شيئا ; لأن معنى قوله : فما منكم من أحد عنه حاجزين ، أنهم لا يقدرون على أن يحجزوا عنه ، أي يدفعوا عنه عقاب الله له بالقتل ، لو تقول عليه بعض الأقاويل .

                                                                                                                                                                                                                                      وذلك هو معنى قوله : فلا تملكون لي من الله شيئا أي لا تقدرون على دفع عذابه عني .

                                                                                                                                                                                                                                      ونظير ذلك في المعنى قوله - تعالى - : قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا [ 5 \ 17 ] . وقوله - تعالى - : ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا [ 5 \ 41 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وما تضمنته آية " الأحقاف " هذه وآية " الحاقة " المبينة لها ، من أنه لو افترى على الله [ ص: 216 ] أو تقول عليه عاجله بالعذاب ، وأنه لا يقدر أحد على دفعه عنه - جاء معناه في بعض الآيات ، كقوله - تعالى - في " يونس " : قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم [ 10 \ 15 ] أي إني أخاف - إن عصيت ربي بالافتراء عليه بتبديل قرآنه أو الإتيان بقرآن غيره - عذاب يوم عظيم .

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر الله - تعالى - مثل هذا عن بعض الرسل في آيات أخر ، كقوله عن صالح : قال ياقوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته الآية [ 11 \ 63 ] . وقوله - تعالى - عن نوح : قوم من ينصرني من الله إن طردتهم الآية ] .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية