الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عجيبة من عجائب البحر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ علم الدين البرزالي في " تاريخه " : قرأت في بعض الكتب الواردة من القاهرة أنه لما كان بتاريخ يوم الخميس رابع جمادى الآخرة ، ظهرت دابة من البحر عجيبة الخلقة ، من بحر النيل إلى أرض المنوفية ، بين بلاد منية مسود ، وإصطباري ، والراهب ، وهذه صفتها : لونها لون الجاموس بلا شعر ، وآذانها كآذان الجمل ، وعيناها وفرجها مثل الناقة ، يغطي فرجها ذنب طوله شبر ونصف ، طرفه كذنب السمكة ، ورقبتها مثل غلظ التليس المحشو تبنا ، وفمها وشفتاها مثل الكربال ، ولها أربعة أنياب ، اثنان من فوق واثنان [ ص: 20 ] من أسفل ، طول كل واحد دون الشبر في عرض أصبعين ، وفي فمها ثمانية وأربعون ضرسا وسنا مثل بيادق الشطرنج ، وطول يديها من باطنها إلى الأرض شبران ونصف ، ومن ركبتها إلى حافرها مثل بطن الثعبان ، أصفر مجعد ، ودور حافرها مثل السكرجة ، بأربعة أظافير مثل أظافير الجمل ، وعرض ظهرها مقدار ذراعين ونصف ، وطولها من فمها إلى ذنبها خمسة عشر قدما ، وفي بطنها ثلاثة كروش ، ولحمها أحمر ، وزفرته مثل السمك ، وطعمه كلحم الجمل ، وغلظ جلدها أربعة أصابع ، ما تعمل فيه السيوف ، وحمل جلدها على خمسة أجمال في مدار ساعة من ثقله ، على جمل بعد جمل ، وأحضروه إلى بين يدي السلطان بالقلعة ، وحشوه تبنا ، وأقاموه بين يديه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي شهر رجب قويت الأخبار بعزم التتار على دخول بلاد الشام ، فانزعج الناس لذلك ، واشتد خوفهم جدا ، وقنت الخطيب في الصلوات ، وقرئ " البخاري " ، وشرع الناس في الجفل إلى الديار المصرية ، والكرك ، والحصون المنيعة ، وتأخر مجيء العساكر المصرية عن أوانها ، فاشتد لذلك الخوف .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي شهر رجب باشر نجم الدين بن أبي الطيب نظر الخزانة عوضا عن الصدر أمين الدين بن هلال ، توفي إلى رحمة الله تعالى ، وباشر نظر الجامع جمال الدين بن الصدر سليمان عوضا عن شرف الدين بن الشيرجي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 21 ] وفي يوم السبت ثالث شعبان باشر مشيخة الشيوخ بعد ابن جماعة القاضي ناصر الدين بن عبد السلام ، وكان جمال الدين الزرعي يسد الوظيفة إلى هذا التاريخ .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم السبت عاشر شعبان ضربت البشائر بالقلعة والطبلخاناه على أبواب الأمراء بخروج السلطان بالعساكر من مصر لمناجزة التتار المخذولين . وفي هذا اليوم بعينه كانت وقعة عرض ، وذلك أنه التقى جماعة من أمراء الإسلام فيهم أسندمر ، وبهادر آص ، وكجكن ، وغرلو العادلي ، وكل منهم سيف من سيوف الملة والدين ، في ألف وخمسمائة فارس - مع التتر ، وكان التتار في سبعة آلاف مقاتل ، فاقتتلوا معهم ، وصبر المسلمون صبرا جيدا ، فنصرهم الله ، وخذل التتر ، فقتلوا منهم خلقا ، وأسروا آخرين ، وولوا عند ذلك مدبرين ، وغنم المسلمون منهم غنائم ، وعادوا سالمين لم يفقد منهم إلا القليل ممن أكرمه الله تعالى بالشهادة ، ووقعت البطاقة بذلك ، ثم قدمت الأسارى يوم الخميس منتصف شعبان ، وكان يوم خميس النصارى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية