الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3473 (36) باب

                                                                                              السن الذي يجاز في القتال

                                                                                              [ 1333 ] عن ابن عمر، قال: عرضني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد في القتال، وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزني، وعرضني يوم الخندق ، وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني . قال نافع: فقدمت على عمر بن عبد العزيز ، وهو يومئذ خليفة، فحدثته بهذا الحديث فقال: إن هذا لحد بين الصغير والكبير، فكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن كان ابن خمس عشرة سنة، وما كان دون ذلك فاجعلوه في العيال.

                                                                                              وفي رواية: وأنا ابن أربع عشرة سنة ، فاستصغرني .


                                                                                              رواه أحمد ( 2 \ 17 ) والبخاري (2664)، ومسلم (1868) في الإمارة، وأبو داود (4406)، والترمذي (1711)، والنسائي ( 6 \ 155 - 156)، وابن ماجه (2543).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (36) ومن باب: السن الذي يجاز في القتال

                                                                                              قول ابن عمر : (إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يجزه يوم أحد ، وهو ابن أربع عشرة سنة ، وأجازه في الخندق ، وهو ابن خمس عشرة سنة) ; ظاهر كلام ابن عمر هذا : أنه كان بين غزوة أحد وغزوة الأحزاب سنة ، وليس كذلك ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- خرج إلى أحد في شوال سنة ثلاث من الهجرة ، وكانت غزوة الخندق - وهي غزوة الأحزاب - في شوال من السنة الخامسة ، فكان بينهما سنتان ، ولذلك قال بعض العلماء : إن [ ص: 697 ] ذكر الأحزاب هنا وهم ، وإنما كانت غزوة ذات الرقاع ، فإنها كانت في الرابعة من الهجرة ، كما قدمناه آنفا .

                                                                                              قلت : ويمكن أن يقال : لا وهم في ذلك ; لإمكان أن يكون ابن عمر في غزوة أحد دخل في أول سنة أربع عشرة من حين مولده ، وذلك في شوال في غزوة أحد ، ثم كملت له سنة أربع عشرة في شوال من السنة الآتية ، ثم دخل في الخامس عشر إلى شوالها الذي كانت فيه غزوة الأحزاب ، فأراد : أنه كان في غزوة أحد في أول الرابعة ، وفي غزوة الأحزاب في آخر الخامسة . والله تعالى أعلم .

                                                                                              وقد تمسكت طائفة من العلماء بهذا الحديث : على أن خمس عشرة سنة بلوغ لمن لم يحتلم ولا حاضت ، وهو قول الشافعي ، والأوزاعي ، وابن حنبل ، وابن وهب من أصحابنا . وأبى ذلك مالك ، وأبو حنيفة ، وغيرهما من الحجازيين ، والمدنيين ، والكوفيين . قال مالك : لا يحكم لمن لم يحتلم بحكم البلوغ حتى يبلغ ما لا يبلغه أحد إلا احتلم ، وذلك : سبع عشرة . ورأوا : أن حديث ابن عمر إنما موجبه الفرق بين من يطيق القتال ، ويسهم له ، وهو ابن خمس عشرة سنة ، ومن لا يطيقه ، فلا يقسم له ، فيجعل في العيال . وهذا هو الذي فهم عمر بن عبد العزيز من الحديث .

                                                                                              ولم يختلف في : أن الحلم والحيض بلوغ ، واختلفوا في الإنبات البين. فمنهم من قال : يستدل به على البلوغ ، وبه قال أحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وروي عن القاسم ، وسالم . وقاله مالك مرة . وقال الزهري وعطاء : لا حد على من لم يحتلم . وهو قول الشافعي ، ولم يراع الإنبات ، ومال إليه مالك مرة ، وقال به بعض أصحابه .

                                                                                              [ ص: 698 ] وعلى الاختلاف في هذا الأصل اختلفوا في إنكاح اليتيمة لمجرد الإنبات . وروي عن الشافعي : أن الإنبات يحكم به في الكفار ، فيقتل من أنبت ، ويجعل من لم ينبت في الذراري والعيال ، ولا يقتل ، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في بني قريظة ، وكما يروى منه مرفوعا : (اقتلوا من جرت عليه المواسي) .




                                                                                              الخدمات العلمية