الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( فإن خالفوا فيما ذكرناه فوقف الرجل عن يسار الإمام أو خلفه وحده أو وقفت المرأة مع الرجل أو أمامه لم تبطل الصلاة ; لما روي أن ابن عباس رضي الله عنهما " وقف عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم فلم تبطل صلاته " وأحرم أبو بكرة خلف الصف ، وركع ثم مشى إلى الصف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم { زادك الله حرصا ، ولا تعد } ولأن هذه المواضع كلها مواقف لبعض المأمومين فلا تبطل الصلاة بالانتقال إليها ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث ابن عباس ثابت من طرق في صحيح البخاري ومسلم ، وحديث أبي بكرة رواه البخاري ومسلم من رواية أبي بكرة .

                                      وينكر على المصنف قوله في حديث ابن عباس : روي بصيغة التمريض ، الموضوعة للضعيف ، وقد سبق مرات التنبيه على مثل هذا ، وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكرة : ولا تعد بفتح التاء وضم العين - قيل : معناه لا تعد إلى الإحرام خارج الصف ، وقيل : لا تعد إلى التأخر عن الصلاة إلى هذا الوقت ، وقيل : لا تعد إلى إتيان الصلاة مسرعا .

                                      ( أما حكم الفصل ) فقد سبق مقصودها في أوائل الباب وحاصله أن المواقف المذكورة كلها على الاستحباب ، فإن خالفوها كره وصحت الصلاة ; لما ذكره المصنف ، وكذا لو صلى الإمام أعلى من المأموم وعكسه لغير حاجة ، وكذا إذا تقدمت المرأة على صفوف الرجال بحيث لم تتقدم على الإمام أو وقفت بجنب الإمام أو بجنب مأموم صحت صلاتها وصلاة الرجال بلا خلاف عندنا ، وكذا لو صلى منفردا خلف الصف مع تمكنه من الصف كره ، وصحت صلاته .

                                      [ ص: 189 ] فرع ) إذا وجد الداخل في الصف فرجة أو سعة دخلها ، وله أن يخرق الصف المتأخر إذا لم يكن فيه فرجة وكانت في صف قدامه لتقصيرهم بتركها ، فإن لم يجد فرجة ولا سعة ففيه خلاف حكوه وجهين ، والصواب أنه قولان : ( أحدهما ) : يقف منفردا ولا يجذب أحدا ، نص عليه في البويطي لئلا يحرم غيره فضيلة الصف السابق ، وهذا اختيار القاضي أبي الطيب .

                                      ( والثاني ) : وهو الصحيح ، ونقله الشيخ أبو حامد وغيره عن نص الشافعي وقطع به جمهور أصحابنا : أنه يستحب أن يجبذ إلى نفسه واحدا من الصف ، ويستحب للمجذوب مساعدته قالوا : ولا يجذبه إلا بعد إحرامه لئلا يخرجه عن الصف لا إلى صف ، وإنما استحب للمجذوب الموافقة ليحصل لهذا فضيلة صف وليخرج من خلاف من قال من العلماء : لا تصح صلاة منفرد خلف الصف ، ويستأنس فيه أيضا بحديث مرسل ذكره أبو داود في المراسيل والبيهقي عن مقاتل بن حيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن جاء فلم يجد أحدا فليختلج إليه رجلا من الصف فليقم معه فما أعظم أجر المختلج } .

                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في صلاة المنفرد خلف الصف قد ذكرنا أنها صحيحة عندنا مع الكراهة ، وحكاه ابن المنذر عن الحسن البصري ومالك والأوزاعي وأصحاب الرأي ، وحكاه أصحابنا أيضا عن زيد بن ثابت الصحابي والثوري وابن المبارك وداود ، وقالت طائفة : لا يجوز ذلك حكاه ابن المنذر عن النخعي والحكم والحسن بن صالح وأحمد وإسحاق قال : وبه أقول ، والمشهور عن أحمد وإسحاق أن المنفرد خلف الصف يصح إحرامه ، فإن دخل في الصف قبل الركوع صحت قدوته وإلا بطلت صلاته .

                                      واحتج لهؤلاء بحديث وابصة بن معبد رضي الله عنه " { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة } رواه أبو داود والترمذي ، وقال : حديث حسن .

                                      قال ابن المنذر : ثبت هذا الحديث عند أحمد وإسحاق ، وعن علي بن [ ص: 190 ] شيبان قال : { صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم فانصرف فرأى رجلا يصلي خلف الصف فوقف نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى انصرف الرجل فقال له : استقبل صلاتك لا صلاة للذي خلف الصف } رواه ابن ماجه بإسناد حسن .

                                      واحتج أصحابنا بحديث أبي بكرة .

                                      وبحديث ابن عباس ، وحملوا الحديثين الواردين بالإعادة على الاستحباب جمعا بين الأدلة ، وقوله صلى الله عليه وسلم { لا صلاة للذي خلف الصف } أي لا صلاة كاملة كقوله صلى الله عليه وسلم { لا صلاة بحضرة الطعام } ويدل على صحة التأويل أنه صلى الله عليه وسلم انتظره حتى فرغ ، ولو كانت باطلة لما أقره على الاستمرار فيها ، وهذا واضح .

                                      ( فرع ) في مذاهبهم في الجذب من الصف : قد ذكرنا أن الصحيح عندنا أن الداخل إذا لم يجد في الصف سعة جذب واحدا بعد إحرامه واصطف معه وحكاه ابن المنذر عن عطاء والنخعي وحكي عن مالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق كراهته وبه قال أبو حنيفة وداود .

                                      ( فرع ) صلاة المرأة قدام رجل وبجنبه مكروهة ، ويصح صلاتها وصلاة المأمومين الذين تقدمت عليهم أو حاذتهم عندنا وعند الجمهور ، وقال أبو حنيفة : هي باطلة ، وقد سبقت المسألة مبسوطة في آخر باب استقبال القبلة .




                                      الخدمات العلمية