الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5110 52 - حدثنا أبو نعيم، حدثنا سيف بن أبي سليمان قال: سمعت مجاهدا يقول: حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى أنهم كانوا عند حذيفة فاستسقى فسقاه مجوسي، فلما وضع القدح في يده رماه به، وقال: لولا أني نهيته غير مرة ولا مرتين، كأنه يقول لم أفعل هذا، ولكني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قال صاحب التلويح ما حاصله: لا مطابقة بين الحديث والترجمة; لأن الترجمة في إناء مفضض، والحديث في الإناء المتخذ من الفضة، إلا إن كان الإناء الذي سقي فيه حذيفة كان مضببا، وإن الضبة موضع الشفة عند الشرب، فله وجه على بعد، وقال بعضهم: أجاب الكرماني بأن لفظ مفضض وإن كان ظاهرا فيما فيه فضة، لكنه يشمل ما كان متخذا كله من فضة.

                                                                                                                                                                                  قلت: فيه نظر; لأنه إن أراد بالشمول بمعنى أنه يطلق على المعنيين بحسب اللغة فيحتاج إلى دليل، وإن كان بحسب الاصطلاح فالفقهاء قد فرقوا بين المفضض والمتخذ من الفضة، وقال ابن المنذر: المفضض ليس بإناء ذهب ولا فضة، وليس بحرام ما لم يقع النهي عنه، وكذلك المضبب، وهو وجه لبعض الشافعية.

                                                                                                                                                                                  وأبو نعيم الفضل بن دكين، وسيف بن أبي سليمان -ويقال: ابن سليمان- المخزومي، وقال يحيى القطان: كان حيا سنة خمسين ومائة، وكان عندنا ثقة ممن يصدق ويحفظ، وروى له مسلم أيضا، وحذيفة هو ابن اليمان العبسي.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأشربة، عن أبي موسى، وفي اللباس عن علي بن المديني، وفي الأشربة أيضا عن حفص بن عمر الحوضي، وفي اللباس أيضا عن سليمان بن حرب، وأخرجه مسلم في الأطعمة، عن أبي موسى به، وعن غيره، وأخرجه أبو داود في الأشربة عن حفص بن عمر به، وعن غيره، وأخرجه الترمذي فيه، عن بندار به، وأخرجه النسائي في الزينة، عن محمد بن عبد الله بن يزيد، وفي الوليمة، عن إسحاق بن إبراهيم به، وعن غيره، وأخرجه ابن ماجه في الأشربة، عن محمد بن عبد الملك، وفي اللباس، عن أبي بكر بن أبي شيبة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فسقاه مجوسي" وفي رواية مسلم من حديث عبد الله بن حكيم قال: كنا مع حذيفة بالمدائن فاستسقى حذيفة، فجاءه دهقان بشراب في إناء من فضة فرماه، وفي رواية الترمذي عن ابن أبي ليلى يحدث أن حذيفة استسقى، فأتاه إنسان بإناء من فضة فرماه به، وقال: إني كنت نهيته فأبى أن ينتهي... الحديث.

                                                                                                                                                                                  قوله: "رماه به" أي: رمى القدح بالشراب، أو رمى الشراب بالقدح، وليس بإضمار قبل الذكر; لأن قوله: "فاستسقى فسقاه" يدل عليه، ويروى: رمى به.

                                                                                                                                                                                  قوله: "غير مرة" أي: لولا أني نهيته مرارا كثيرة عن استعمال آنية الذهب والفضة لما رميت به، ولاكتفيت بالزجر اللساني لكن لما تكرر النهي باللسان فلم ينزجر رميت به؛ تغليظا عليه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "كأنه يقول" أي: كأن حذيفة يقول لم أفعل هذا، أي: الشرب في آنية الذهب والفضة، ثم استدرك في بيان ذلك بقوله: ولكني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم -... إلى آخره.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ولا الديباج" وقال ابن الأثير: الديباج الثياب المتخذة من الإبريسم فارسي معرب، وقد يفتح داله ويجمع على دبابج ودبايج بالباء والياء; لأن أصله دباج بتشديد الباء.

                                                                                                                                                                                  قوله: "في صحافها " جمع صحفة وهي إناء كالقصعة المبسوطة ونحوها، والضمير فيه يرجع إلى الفضة، وكان القياس أن يقال: "صحافهما" وهذا كما في قوله تعالى: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 60 ] فإذا علم حكم الفضة يلزم حكم الذهب منه بالطريق الأولى.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لهم" أي: للكفار والسياق يدل عليه.

                                                                                                                                                                                  وهذا الحديث يدل على تحريم استعمال الحرير والديباج، وعلى حرمة الشرب والأكل من إناء الذهب والفضة، وذلك للنهي المذكور، وهو نهي تحريم عند كثير من المتقدمين، وهو قول الأئمة الأربعة، وقال الشافعي: إن النهي فيه كراهة تنزيه في قوله القديم، حكاه أبو علي السنجي من رواية حرملة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية