الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومن تزوج أمة فطلقها ثم اشتراها ، فإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر منذ يوم اشتراها لزمه وإلا لم يلزمه ) [ ص: 364 ] لأنه في الوجه الأول ولد المعتدة فإن العلوق سابق على الشراء ، وفي الوجه الثاني ولد المملوكة لأنه يضاف الحادث إلى أقرب وقته فلا بد من دعوة ، وهذا إذا كان الطلاق واحدا بائنا أو خلعا أو رجعيا ، أما إذا كان اثنتين يثبت النسب إلى سنتين من وقت الطلاق لأنها حرمت عليه حرمة غليظة فلا يضاف العلوق إلا إلى ما قبله ، لأنها لا تحل بالشراء .

التالي السابق


( قوله ومن تزوج أمة فطلقها ) أي بعد الدخول واحدة بائنة أو رجعية ثم اشتراها قبل أن تقر بانقضاء عدتها فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر منذ اشتراها لزمه : أي ثبت نسبه منه ، ولفظ يوم بعد منذ مستغنى عنه ، وقيدنا ببعد الدخول وواحدة ، لأنه لو كان قبل الدخول لا يلزمه الولد إلا أن تجيء به لأقل من ستة أشهر منذ فارقها لأنه لا عدة لها أو بعده والطلاق ثنتان ثبت النسب إلى سنتين من وقت الطلاق كما سيذكره المصنف .

( قوله وإلا ) أي وإن لم تجئ به لأقل بل لتمام ستة أشهر أو [ ص: 364 ] أكثر من وقت الطلاق لم يلزمه إلا أن يدعيه ( قوله : لأنه في الوجه الأول ) وهو ما إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر ولد المعتدة للتيقن بكون العلوق سابقا على الشراء ، وولد المعتدة يثبت نسبه بلا دعوة .

وفي الوجه الثاني وهو ما إذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا ولد المملوكة فلا يثبت إلا بدعوة ، وهذا لأن الطلاق إذا كان واحدة حل له وطؤها بعد الشراء إذ لا يظهر عدتها في حقه لأنها معتدته ، والمرأة متى ولدت والوطء حلال يقضى بالعلوق من أقرب الأوقات ; لأن فيما زاد عليه شكا وأقرب الأوقات ستة أشهر ، واعتبارها في الأول يوجب أنه ولد المعتدة .

وفي الوجه الثاني يوجب أنه ولد المملوكة فلا يثبت إلا بدعوة ، بخلاف ما لو كان الطلاق ثنتين حيث يثبت النسب إلى سنتين من وقت الطلاق وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر من وقت الشراء لأن به تحرم الأمة حرمة غليظة فلا يحلها الشراء ; لأن حل المحرمة حرمة غليظة مغياة بنكاح زوج آخر على ما عرف فتعذر القضاء بالعلوق من أقرب الأوقات ; لأنه قضاء عليهما بالوطء الحرام فقضينا بالعلوق من أبعد الأوقات وهو ما قبل الطلاق حملا لأمرهما على الصلاح وقبل الطلاق كانت منكوحة فيثبت نسب ولدها بلا دعوة ، ثم إذا كانت الواحدة رجعية وهو ولد [ ص: 365 ] المعتدة فيلزمه وإن جاءت به لعشر سنين بعد الطلاق فأكثر بعد كونه لأقل من ستة أشهر من الشراء ، وإن كانت بائنا ثبت إلى أقل من سنتين بعد كونه لأقل من ستة أشهر من الشراء . واعلم أن ما ذكر من حكم المطلقة الرجعية ثابت عند عدم الطلاق ، يعني لو اشتراها من غير طلاق كان الحكم المذكور للرجعية ثابتا .

ولو اشترى زوجته الموطوءة ثم أعتقها فولدت لأكثر من ستة أشهر منذ اشتراها لا يثبت النسب إلا أن يدعيه الزوج ، لأن النكاح بطل بالشراء وصارت بحال لا يثبت نسب ولدها منه لو ولدت لأكثر من ستة أشهر من وقت الشراء إلا بدعوة والعتق ما زادها إلا بعدا منه ، وعند محمد يثبت النسب إلى سنتين بلا دعوة من يوم الشراء لأنه بالشراء بطل النكاح ووجبت العدة لكنها لا تظهر في حقه للملك وبالعتق ظهرت ، وحكم معتدة عن بائن لم تقر بانقضاء عدتها تلك . ولو جاءت به لأقل من ستة أشهر لزمه للعلم بثبوته قبل الشراء وإن كان لأكثر من سنتين من العقد ، وكذا لو لم يعتقها ولكن باعها فولدت لأكثر من ستة أشهر مذ باعها ; فعند أبي يوسف لا يثبت النسب وإن ادعاه إلا بتصديق المشتري لما مر أن النكاح بطل ; وعند محمد يثبت بلا تصديق كما قال في العتق إلا أنه هنا لا يثبت بلا دعوة لأن العدة ظهرت ثم ولم تظهر هنا . ولو أسلمت كتابية تحت مسلم ثم جاءت بولد لأكثر من ستة أشهر ولأقل من سنتين من وقت الإسلام فنفاه لاعن ويقطع نسب الولد منه ، وإن احتمل علوقه قبل الإسلام وهو باعتباره لا لعان لكن العلوق حادث ، والأصل في الحوادث ما قلنا . وكذا حر تحته أمة أعتقها مولاها فجاءت بولد لأكثر من ستة أشهر ولأقل من سنتين من وقت الإعتاق فنفاه الزوج لاعن وإن احتمل العلوق قبل الإعتاق .

فإن قيل ما ذكرتم ينتقض بمسائل : إحداها ما لو قال لامرأتيه إحداكما طالق ثلاثا ولم يبين حتى ولدت إحداهما لأكثر من ستة أشهر من وقت الإيجاب ولأقل من سنتين منه فالإيجاب على إبهامه ولا تتعين ضرتها للطلاق ذكره في الزيادات . وثانيتها ما لو قال لها : إذا حبلت فأنت طالق فولدت لأقل من سنتين من وقت التعليق لا يقع الطلاق ، فكذا لو كان هذا في تعليق العتاق بالحبل . وثالثتها المطلقة الرجعية إذا جاءت به لأقل من سنتين من وقت الطلاق لا يصير مراجعا ، ولو كانت الحوادث تضاف إلى أقرب الأوقات لثبتت هذه الأحكام : أعني البيان والطلاق والرجعة . قلنا : الحوادث إنما تضاف إلى أقرب الأوقات إذا لم تتضمن إبطال ما كان ثابتا بالدليل أو ترك العمل بالمقتضى ، أما إذا تضمنت فلا ، فمتى عولت على ما قلنا ثم استقريت المسائل وجدت الأمر عليه ، ففي ثبوت الطلاق في الصورتين الأوليين إبطال ما كان ثابتا بيقين بلا يقين ، وفي الرجعة كذلك مع العمل بخلاف الدليل الدال على استكراه الرجعة بغير القول .




الخدمات العلمية