الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) إسلام الموزونات في الموزونات ففيه تفصيل إن كانا جميعا مما يتعينان في العقد لا يجوز أيضا سواء كانا مطعومين كالسكر في الزعفران ، أو غير مطعومين كالحديد في النحاس لوجود أحد ، وصفي علة ربا الفضل الذي هو علة تامة لربا النساء ، وعند الشافعي يجوز في غير المطعوم ، ولا يجوز في المطعوم ; لما قلنا ، وإن كانا مما لا يتعينان في العقد كالدراهم في الدنانير ، والدنانير في الدراهم ، أو الدراهم في الدراهم ، والدنانير في الدنانير ، أو لا يتعين المسلم فيه كالحديد في الدراهم ، والدنانير لا يجوز ; لأن المسلم فيه مبيع ; لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ، ورخص في السلم } فهذا يقتضي أن يكون السلم بيع ما ليس عند الإنسان ; لأنه رخص في بعض ما دخل تحت النهي .

                                                                                                                                والداخل تحت النهي هو البيع دل أن السلم نوع بيع ليستقيم إثبات الرخصة فيه فكان المسلم فيه مبيعا ، والمبيع مما يتعين بالتعيين ، والدراهم ، والدنانير لا يحتملان التعيين شرعا في عقود المعاوضات فلم يكونا متعينين فلا يصلحان مسلما فيهما ، وإن كان رأس المال مما لا يتعين ، والمسلم فيه مما يتعين كما لو أسلم الدراهم ، أو الدنانير في الزعفران ، أو في القطن ، أو الحديد ، وغيرها من سائر الموزونات فإنه يجوز ; لانعدام العلة ، وهي القدر المتفق ، أو الجنس .

                                                                                                                                أما المجانسة فظاهرة الانتفاء .

                                                                                                                                وأما القدر المتفق ; فلأن وزن الثمن يخالف وزن المثمن ، ألا ترى أن الدراهم توزن بالمثاقيل ؟ ، والقطن ، والحديد يوزنان بالقبان فلم يتفق القدر فلم توجد العلة فلا يتحقق الربا هذا إذا أسلم الدراهم ، أو الدنانير في سائر الموزونات ، فأما إذا أسلم نقرة فضة ، أو تبر ذهب ، أو المصوغ فيها فهل يجوز ؟ ذكر الاختلاف فيه بين أبي يوسف ، وزفر ؟ على قول أبي يوسف يجوز ، وعلى قول زفر لا يجوز .

                                                                                                                                ( وجه ) قول زفر : أنه وجد علة ربا النساء وهي أحد وصفي علة ربا الفضل ، وهو الوزن في المالين فيتحقق الربا .

                                                                                                                                ( وجه ) قول أبي يوسف : أن أحد الوصفين الذي هو علة القدر المتفق لا مطلق القدر ، ولم يوجد ; لأن النقرة ، أو التبر من جنس الأثمان ، وأصل الأثمان ، ووزن الثمن يخالف وزن المثمن على ما ذكرنا ، فلم يتفق القدر فلم توجد العلة ; فلا يتحقق الربا كما إذا أسلم فيها الدراهم ، والدنانير ، ولو أسلم فيها الفلوس جاز ; لأن الفلس عددي ، والعدد في العدديات ليس من ، أوصاف العلة ، ولو أسلم فيها الأواني الصفرية ينظر إن كانت تباع وزنا لم يجز ; لوجود الوزن الذي هو أحد وصفي علة ربا الفضل ، وإن كانت تباع عددية جاز ; لانعدام العلة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية