الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله والبيع والموت والتحرير والتدبير بيان في العتق المبهم ) لأنه لم يبق محلا للعتق أصلا بالموت والتحرير وللعتق من جهته بالبيع وللعتق من كل وجه بالتدبير فتعين الآخر ; ولأنه بالبيع قصد الوصول إلى الثمن وبالتدبير إبقاء الانتفاع إلى موته والمقصود أن ينافيان العتق الملتزم فتعين الآخر دلالة والاستيلاد والكتابة كالتدبير والمراد بالتحرير أن يعتق أحدهما ناويا استئناف العتق عليه أو لا نية له لا بيان للمبهم فلو قال لأحدهما أنت حر أو أعتقتك ولم يقل بذلك اللفظ أو بالعتق السابق فإن أراد به عتقا مستأنفا عتقا جميعا هذا بالإعتاق المستأنف وذلك باللفظ السابق وإن قال عنيت به الذي لزمني بقولي أحدكما حر يصدق في القضاء ويحمل قوله أعتقتك على اختيار العتق أي اخترت عتقك وأشار بالبيع إلى كل تصرف لا يصح إلا في الملك كهبة أحدهما أو صدقته أو رهنه أو إجارته أو الإيصاء به أو تزويجه فكان إقدامه دليلا على اختياره العتق المبهم في الآخر ، وهذا على القول بأن العتق غير نازل .

                                                                                        أما على القول بنزوله فالإقدام عليها يكون اختيارا للملك في المتصرف فيه فيتعين الآخر للعتق ضرورة وشرط في الهداية التسليم في الهبة والصدقة ليكون تمليكا ، وظاهر البدائع أنه ليس بشرط ; لأن المساومة إذا كانت بيانا فهذه التصرفات أولى بلا قبض وفي الكافي أن ذكر التسليم وقع اتفاقا وأطلق في البيع فشمل الصحيح والفاسد مع القبض وبدونه وشمل المطلق وبشرط الخيار [ ص: 269 ] لأحد المتعاقدين لإطلاق جواب الكتاب والمعنى ما قلنا والعرض على البيع ملحق به في المحفوظ عن أبي يوسف وأطلق في التحرير فشمل المعلق والمنجز فإن قال لأحدهما إن دخلت الدار فأنت حر عتق الآخر وقيد بالعتق المبهم ; لأن الموت في النسب المبهم أو أمومية الولد المبهمة لا يكون بيانا فلو قال أحد هذين ابني أو أحد هاتين أم ولدي فمات أحدهما لم يتعين الآخر للحرية والاستيلاد ; لأنه ليس بإنشاء ، بل إخبار عن شيء سابق والإخبار يصح في الحي والميت فيقف على بيانه بخلاف أحدكما حر إنشاء ، والإنشاء لا يصح إلا في الحي وأطلق في الموت فشمل القتل سواء قتله المولى أو أجنبي .

                                                                                        فإن كان القتل من المولى فلا شيء عليه وإن كان من الأجنبي فعليه قيمة العبد المقتول للمولى فإن اختار المولى عتق المقتول لا يرتفع العتق عن الحي ، ولكن يكون لورثة المقتول ; لأن المولى قد أقر بحريته فلا يستحق شيئا من قيمته وقيد بالموت احترازا عن قطع اليد فإنه لا يعتق الآخر سواء كان القطع من المولى أو من الأجنبي ، فإن كان من أجنبي وبين المولى العتق في غير المجني عليه فالأرش للمولى بلا شك وإن بينه في المجني عليه ذكر القدوري أن الأرش للمولى لا للمجني عليه وذكر الإسبيجابي أن الأرش للمجني عليه ، وهو قياس مذهب التنجيز والأول قياس مذهب التعليق وفي فتح القدير وما يقع به البيان في العتق المبهم المنجز يقع به في العتق المبهم المعلق كأن قال إذا جاء زيد فأحدكما حر فلو مات أحدهما قبل الشرط أو تصرف فيه بإزالة الملك ، ثم جاء زيد عتق الباقي وفرق بين البيان الحكمي والصريح فإن الحكمي قد رأيت أنه يصح قبل الشرط بخلاف الصريح فإنه لو قال قبل الشرط اخترت أن يعتق فلان ، ثم وجد الشرط لا يعتبر ; لأنه اختيار قبل وقته كما لو قال أنت حر إن دخلت هذه أو هذه ، ثم عين إحداهما للحنث لا يصح تعيينه ، ولو باع أحدهما أو كلاهما ، ثم اشتراهما ، ثم جاء زيد ثبت حكم العتق المبهم فيعتق أحدهما ويؤمر بالبيان ; لأن زوال الملك بعد اليمين لا يبطلها ا هـ .

                                                                                        وفي الاختيار لو قال أحدكما حر فقيل أيهما نويت ؟ فقال لم أعن هذا عتق الآخر ، فإن قال بعد ذلك لم أعن هذا عتق الأول أيضا ، وكذلك طلاق إحدى المرأتين بخلاف ماذا قال لأحد هذين على ألف فقيل له هو هذا فقال لا لا يجب للآخر شيء والفرق أن التعيين واجب عليه في الطلاق والعتاق فإذا نفاه عن أحدهما تعين الآخر إقامة للواجب أما الإقرار لا يجب عليه البيان فيه ; لأن الإقرار للمجهول لا يلزم حتى لا يجبر عليه فلم يكن نفي أحدهما تعيينا للآخر .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية