الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( و ) الشرط الثاني ( كونها سائمة ) بفعل المالك أو وكيله أو وليه أو الحاكم لغيبته مثلا لما يأتي أنه لا زكاة في سائمة بنفسها [ ص: 236 ] والسائمة الراعية في كلإ مباح وذلك للتقييد بالسوم في الأحاديث في الإبل والغنم وألحق بهما البقر فافهم أنه لا زكاة في معلوفة ؛ لأن مؤنتها لما لم تتوفر لم تحتمل المواساة أما المملوك فإن قلت : قيمته بحيث لم يعد مثله كلفة في مقابلة نمائها فهي سائمة ، وإلا فهي معلوفة على ما رجحه السبكي واعتمد الجلال البلقيني أنه يؤثر مطلقا والإسنوي وغيره إفتاء القفال بأنها لو رعت ما اشتراه في محله فسائمة ، وإلا فمعلوفة قال القفال : ولو رعاها ورقا تناثر فسائمة ، وإن قدمه لها فمعلوفة أي : ما لم يكن من حشيش الحرم فلا ينقطع به السوم ؛ لأنه لا يملك وإنما يثبت لآخذه نوع اختصاص فإذا علفها به فقد علفها بغير مملوك فلم ينقطع السوم قاله ابن العماد ، وفيه ما فيه ؛ لأن المدار على الكلفة وعدمها لا على ملك المعلوف [ ص: 237 ] والحاصل أن الذي يتجه من ذلك أن ملك العلف أو مؤنة تقديم المباح لها إن عده أهل العرف تافها في مقابلة بقائها أو نمائها فهي باقية على سومها ، وإلا فلا فإن قلت : يشكل على هذا ما يأتي في العلف من النظر إلى الضرر البين ، وفي الشرب بالماء المشترى من منعه وجوب كمال العشر مطلقا قلت : يفرق بأن ما هنا فيه النظر للمعلوف وذاك فيه النظر لزمنه فنيط كل بما يناسبه على أن المدرك فيهما واحد في الحقيقة كما يعلم مما يأتي فإن شراء الماء لا يسقط الوجوب من أصله فلم ينظر فيه لتافه وغيره بخلاف العلف هنا ويظهر إتيان ذلك أيضا فيما لو استأجر من يرعاها بأجرة فيفرق بين كثرة الأجرة وقلتها ، ولا أثر لشرب النتاج لبن أمه ؛ لأنه ناشئ عن الكلأ المباح مع كونه تابعا ولذا لم يفرد بحول ، وقول الإسنوي عن المتولي : لا يضم لأمه حتى يسام بقية حولها اعترض بأنه يلزم منه أنه لا يزكى ما دام صغيرا ؛ لأنه لا يجتزى بالسوم عن لبن أمه ، وهو باطل ، وخرج بإسامة من ذكر سائمة ورثها وتم حولها ، ولم يعلم فلا زكاة فيها خلافا لما بحثه الأذرعي ، وما لو أسامها غاصب أو مشتر شراء فاسدا

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : أو وليه ) قال الناشري ما نصه تنبيه قال الأذرعي الظاهر أن إسامة ولي المحجور كإسامة الرشيد ماشيته ، ولو كان الحظ للمحجور في تركها فهذا موضع تأمل ، وهل يعتبر إسامة الصبي والمجنون ماشيتهما أو لا أثر لها فيه نظر ويبعد تخريجها [ ص: 236 ] على أن عمدهما عمد أو لا إذا كان لهما تمييز ويحتمل أن يقال لو اعتلفت من مال حربي لا يضمن أن السوم لا ينقطع كما لو جاعت بلا علف ، ولا رعي ؛ لأن ذلك لا يؤثر والمتولد بين سائمة ومعلوفة له حكم الأم فإن كانت هي السائمة ضم إليها في الحول ، وإلا فلا وتقدم أول الباب في المتولد بين زكويين وجوب الزكاة فيه لكن يشكل بأي أصليه يلحق ، وينبغي على قياس هذه المسألة أن يلحق بالأم ا هـ ما في الناشري وقوله : فهذا موضع تأمل لا يبعد بناء على أنه يجب على الولي مراعاة المصلحة أنه لا يعتد بإسامته إذا اقتضت المصلحة خلافها كأن كان العلف يسيرا جدا بالنسبة لما يجب إخراجه في الزكاة ، وما يصرفه على الإسامة من نحو أجرة راعيها كأن كان الواجب بنت مخاض تساوي عشرين دينارا ، وأجرة راعيها في العام خمس دنانير ، وكان العلف بنحو دينارين بخلاف ما لو اقتضت المصلحة الإسامة كأن كانت مؤنة الإسامة مع قدر الزكاة حقيرة بالنسبة إلى مؤنة العلف فيعتد بها ، وكذا لو استوى الأمران فيما يظهر فليتأمل وينبغي أن يجري جميع ذلك في الحاكم لغيبة المالك مثلا ( قوله : والسائمة الراعية في كلإ مباح ) لم يتعرض لاعتبار سقيها من ماء مباح أو عدم اعتباره ( قوله : فافهم أنه لا زكاة إلخ ) قد يقال : التقييد بالسوم في الأحاديث خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له كما تقرر في الأصول إلا أن يمنع أن السوم مما لا ينبغي التوقف فيه فليتأمل ( قوله : أما المملوك ) أي : كأن نبت في أرض مملوكة له أو موقوفة عليه شرح م ر ( قوله : أما المملوك ) شامل لما لا يستنبته الآدميون ، وما استنبتوه وبعضهم نقل عن شيخنا الرملي تصويره بغير ما يستنبتونه ورده م ر بأنه بتسليم صحته ليس للتقييد إلا بنقل ( قوله : على ما رجحه السبكي ) [ ص: 237 ] اعتمده م ر ( قوله : قلت يفرق بأن ما هنا إلخ ) يقال عليه لم كان النظر هنا للمعلوف وهناك لزمنه ( قوله : خلافا لما بحثه الأذرعي ) تقدم رد هذا



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : والشرط الثاني ) إلى قوله أي : ما لم يكن في المغني إلا قوله : واعتمد إلى والإسنوي وإلى قوله : وفيه ما فيه في النهاية إلا ما ذكر ( قوله : بفعل المالك إلخ ) أي : مع علمه بملكها ع ش وشيخنا وتقدم في الشرح آنفا ما يفيده وعبارة شرح بافضل لباعشن ، ولا بد أن يكون السوم من المالك المكلف العالم بملكه لها أو من نائبه ، ولو حاكما ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : أو وليه ) قال الأذرعي : والظاهر أن إسامة ولي المحجور كإسامة الرشيد لكن لو كان الحظ للمحجور في تركها فهذا موضع تأمل انتهى ، ولا يحتاج إلى تأمل بل ينبغي القطع بعدم صحة الإسامة في هذه الحالة مغني زاد النهاية : وهل تعتبر إسامة الصبي والمجنون ماشيتهما أو لا أثر لذلك فيه نظر ، ويبعد تخريجها على أن عمدهما عمد أم لا هذا إذا كان لهما تمييز ويحتمل أن يقال إن اعتلفت من مال حربي لا يضمن أن السوم لا ينقطع كما لو جاعت بلا رعي ، ولا علف

                                                                                                                              . والمتولد بين سائمة ومعلوفة له حكم الأم فإن كانت سائمة ضم إليها في الحول ، وإلا فلا ا هـ قال ع ش قوله : م ر ويبعد تخريجها إلخ أي : فيكون الراجح أنه لا اعتبار بإسامتهما و ( قوله : لا يضمن ) أي : بأن لم يكن له أمان و ( قوله : إن السوم لا ينقطع ) معتمد ا هـ عبارة سم بعد ذكر مقالة الأذرعي المارة قوله : فهذا موضع تأمل لا يبعد بناء على أنه يجب على الولي مراعاة المصلحة أنه لا يعتد بإسامته إذا اقتضت المصلحة خلافها كأن كان العلف يسيرا جدا بالنسبة لما يجب إخراجه في الزكاة ، وما يصرفه على الإسامة من نحو أجرة راعيها بخلاف ما لو اقتضت المصلحة الإسامة كأن كانت مؤنة الإسامة مع قدر الزكاة حقيرة بالنسبة إلى مؤنة العلف فيعتد بها ، وكذا لو استوى الأمران فيما يظهر فليتأمل .

                                                                                                                              وينبغي أن يجري جميع ذلك في الحاكم لغيبة المالك مثلا ا هـ قال الكردي على بافضل وأقول : ينبغي أن يكون الوكيل كذلك ا هـ يعني الوكيل المطلق للمالك فيما يتعلق بماشيته ، وأما وكيله في خصوص إسامة ماشيته بأن أمره بها فيعتد بها مطلقا كما هو ظاهر ( قوله : لما يأتي إلخ ) [ ص: 236 ] علة للتقييد بقوله بفعل المالك إلخ ( قوله : والسائمة الراعية في كلإ مباح ) كان الأولى أن يؤخره ويذكره قبيل قوله : أما المملوك إلخ ( قوله : في كلإ مباح ) والكلأ بالهمز : الحشيش مطلقا رطبا أو يابسا والهشيم هو اليابس والعشب والخلا بالقصر هو الرطب ، وظاهر سكوتهم عن الشرب كما قاله ابن قاسم أن استقاء الماء وسقيها إياه لا يضر في وجوب الزكاة ويوجه بأن الغالب أنه لا كلفة في الماء ، ولو فرض فيه كلفة فهي يسيرة بخلاف العلف فلو كان فيه كلفة شديدة منع وجوب الزكاة كالعلف المملوك الذي قيمته غير يسيرة شيخنا .

                                                                                                                              ( قوله : وذلك ) أي : اشتراط كونها سائمة ( قوله : أما المملوك ) شامل لما لا يستنبته الآدميون ، وما استنبتوه ، وبعضهم نقل عن شيخنا الرملي تصويره بغير ما يستنبتونه ورده م ر بأنه بتسليم صحته ليس للتقييد إلا بنقل سم على حج ا هـ ع ش عبارة النهاية : ولو أسيمت في كلإ مملوك كأن نبت في أرض مملوكة لشخص أو موقوفة عليه فهل هي سائمة أو معلوفة وجهان أصحهما كما أفتى به القفال وجزم به ابن المقري أولهما ؛ لأن قيمة الكلأ تافهة غالبا ، ولا كلفة فيها ورجح السبكي أنها سائمة إن لم يكن للكلأ قيمة أو كانت قيمته يسيرة لا يعد مثلها كلفة في مقابلة نمائها ، وإلا فمعلوفة ، ولو جزه ، وأطعمها إياه في المرعى أو البلد فمعلوفة ا هـ زاد المغني والكلأ المغصوب كالمملوك فيما ذكر فيه ا هـ .

                                                                                                                              قال ع ش قوله م ر كأن نبت في أرض مملوكة أي : أو اشتراه ، ولو بقيمة كثيرة ، ومثل ذلك ما يستنبته الناس كأن استأجر أرضا للزراعة وبذر بها حبا فنبت فهو من الكلأ المملوك ففي الراعية له الخلاف المذكور ، وقوله أصحهما كما أفتى به القفال إلخ أي : إنها سائمة فتجب فيها الزكاة وقوله فمعلوفة أي إن كان ما أكلته من المجزوز قدرا لا تعيش بدونه بلا ضرر بين ا هـ ع ش ( قوله : على ما رجحه السبكي ) اعتمده م ر ا هـ سم أي : في غير النهاية ، وكذا اعتمده شرح المنهج وشيخنا ، وكذا الشارح في الحاصل الآتي ، وإن تبرأ هنا عنه .

                                                                                                                              ( قوله : أنه يؤثر مطلقا ) أي : وإن قلت اعتمده في شرحي بافضل ، وفي الكردي عليه ، وكذلك في الأسنى وشروح الإرشاد والعباب للشارح ، وظاهر المغني والنهاية اعتماد أنها لو رعت ما اشتراه أو المباح في محله فسائمة ، وإن جزه فمعلوفة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : والإسنوي وغيره إفتاء القفال إلخ ) ، وكذا اعتمده النهاية والمغني بشرط عدم الجز كما مر ، وظاهر هذا الإفتاء ، ولو كانت قيمته كثيرة كما تقدم عن ع ش وضعفه الحفني فقال : لأنه إذا كانت قيمته كثيرة لا يقال لها سائمة حج ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : قال القفال إلخ ) اعتمده النهاية ( قوله وإن قدمه إلخ ) أي إن جمع الورق المتناثر وقدمه للماشية ( قوله ما لم يكن إلخ ) أي : ما قدمه لها ( قوله : لأنه لا يملك ) أي : ولهذا لا يصح أخذه للبيع نهاية ( قوله : قاله ابن العماد ) أقره النهاية والضمير راجع لقوله أي : [ ص: 237 ] لم يكن إلخ .

                                                                                                                              ( قوله والحاصل إلخ ) اعتمده شيخ الإسلام في المنهج والخطيب في شرحي التنبيه ومختصر أبي شجاع والجمال الرملي في شرح البهجة كردي على بافضل ، وكذا اعتمده الحفني وشيخنا والبجيرمي ( قوله : يشكل على هذا ) أي : الحاصل المذكور ( قوله : ما يأتي إلخ ) أي : آنفا في المتن ( قوله مطلقا ) أي : وإن كانت قيمة الماء تافهة ( قوله : قلت : يفرق بأن ما هنا إلخ ) يقال عليه : لم كان النظر هنا للمعلوف ، وهناك لزمنه سم ويأتي نظيره في قول الشارح فإن شراء الماء إلخ ( قوله : ويظهر إلخ ) ينبغي لمن يتأمل فيه ويحرر فإن في أصل الروضة إطلاق وجوب الزكاة في الماشية المستأجر على رعيها بصري .

                                                                                                                              وقد يجاب بأن شأن المتأخرين تقييد إطلاق المتقدمين بما يظهر لهم ( قوله : إتيان ذلك إلخ ) أي : الحاصل المذكور وهل يتأتى ذلك أيضا فيما جرت به عادة ولاة الجور من أخذ شيء من رعاة المواشي في مقابلة رعيهم من الكلأ المباح لما فيه من الكلفة ، أو يقال : هي في الحقيقة راعية في كلإ مباح ، ولا نظر لهذا المأخوذ محل تأمل بصري وجزم ع ش بالثاني ( قوله : فيفرق بين كثرة الأجرة إلخ ) أي : إن عدت كلفة فمعلوفة ، وإلا فسائمة كردي ( قوله : ولذا ) أي : ولكون النتاج تابعة للأمهات ( قوله : وخرج ) إلى المتن في النهاية والمغني .

                                                                                                                              ( قوله : وخرج بإسامة من ذكر إلخ ) وقع السؤال في الدرس عما لو أسامها الوارث على ظن بقاء مورثه ثم تبين وفاته وأنها في ملك الوارث جميع المدة هل تجب عليه الزكاة لكونه أسامها بالفعل مع كونها في ملكه فظنه للإسامة عن غيره لا يمنع من وقوعها له أم لا أقول فيه نظر والأقرب الثاني ، وقد يدل له كلام سم على المنهج ع ش وتقدم في الشرح ، وعن شيخنا ما يصرح بالثاني ( قوله : خلافا لما بحثه الأذرعي ) تقدم رد هذا سم ( قوله : وما لو أسامها إلخ ) عطف على قوله : سائمة إلخ ( قوله : شراء فاسدا ) أي : كالمعاطاة ع ش




                                                                                                                              الخدمات العلمية