الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) إسلام غير المكيل ، والموزون في جنسه من الذرعيات ، والعدديات كالهروي في الهروي ، والمروي في المروي ، والحيوان في الحيوان فلا يجوز عندنا ، وعند الشافعي رحمه الله يجوز ولقب هذه المسألة أن الجنس بانفراده يحرم النساء عندنا ، وعنده لا يحرم .

                                                                                                                                فلا يجوز إسلام الجوز في الجوز ، والبيض في البيض ، والتفاح في التفاح ، والحفنة في الحفنة بالإجماع ; لوجود الجنس عندنا ، ولوجود الطعم عنده .

                                                                                                                                وأجمعوا على أنه يجوز إسلام الهروي في المروي ; لانعدام أحد الوصفين عندنا ، وعنده ; لانعدام الطعم ، والثمنية .

                                                                                                                                ويجوز إسلام الجوز في البيض ، والتفاح في السفرجل ، والحيوان في الثوب عندنا ; لما قلنا ، وعنده لا يجوز في المطعوم ; لوجود الطعم .

                                                                                                                                ولو أسلم الفلوس في الفلوس لا يجوز عندنا ; لوجود الجنس ، وعنده ; لوجود الثمنية .

                                                                                                                                وكذا إذا أسلم الأواني الصفرية في جنسها ، وهي تباع عددا لا يجوز عندنا ; لوجود المجانسة ، وعنده لوجود الثمنية ، والكلام في مسألة الجنس بانفراده مبني على الكلام في مسألة الربا ، وأصل الشافعي فيها ما ذكرنا أن حرمة بيع المطعوم بجنسه ، وحرمة بيع الأثمان بجنسها هي الأصل ، والتساوي في المعيار الشرعي مع اليد مخلص عن الحرمة بطريق الرخصة ، أو ربا النساء عنده ، وهو فضل الحلول على الأجل في المطعومات ، والثمنية في الأثمان ، وقد ذكرنا ما له من الدليل على صحة هذا الأصل فيما تقدم ، والكلام لأصحابنا في هذه المسألة على نحو ما ذكرنا في علة ربا الفضل .

                                                                                                                                وهو أن السلم في المطعومات ، والأثمان إنما كان ربا ; لكونه فضلا خاليا عن العوض يمكن التحرز عنه في عقد المعاوضة ; لأن البيع عقد مبادلة على طريق المقابلة ، والمساواة في البدلين ; ولهذا لو كانا نقدين يجوز ، ولا مساواة بين النقد ، والنسيئة ; لأن العين خير من الدين ، والمعجل أكثر قيمة من المؤجل فكان ينبغي أن يكون كل فضل مشروط في البيع ربا سواء كان الفضل من حيث الذات ، أو من حيث الأوصاف إلا مالا يمكن التحرز عنه دفعا للحرج ، وفضل التعيين يمكن التحرز عنه بأن يبيع عينا بعين ، وحالا غير مؤجل ، وهذا المعنى موجود في غير المطعوم والأثمان ، فورود الشرع ثمة يكون ورودا ههنا دلالة ، وابتداء الدليل لنا في المسألة ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال { : لا ربا إلا في النسيئة } .

                                                                                                                                وروي { إنما الربا في النسيئة } حقق عليه الصلاة والسلام الربا في النسيئة من غير فصل بين المطعوم ، والأثمان ، وغيرها فيجب القول بتحقيق الربا فيها على الإطلاق ، والعموم إلا ما خص ، أو قيد بدليل ، والربا حرام بنص الكتاب العزيز .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية