الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر وثوب الأتراك ببغداذ بأهل البساسيري والقبض عليه ونهب دوره وأملاكه وتأكد الوحشة بينه وبين رئيس الرؤساء

في هذه السنة ثارت فتنة ببغداذ بالجانب الشرقي بين العامة ، وثار جماعة من أهل السنة ، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وحضروا الديوان ، وطلبوا أن يؤذن لهم في ذلك ، وأن يتقدم إلى أصحاب الديوان بمساعدتهم ، فأجيبوا إلى ذلك ، وحدث من ذلك شر كثير .

ثم إن أبا سعد النصراني ، صاحب البساسيري ، حمل في سفينة ستمائة جرة خمرا ليحدرها إلى البساسيري بواسط في ربيع الآخر ، فحضر ابن سكرة الهاشمي وغيره من الأعيان في هذا الباب ، وتبعهم خلق كثير ، وحاجب باب المراتب من قبل الديوان ، وقصدوا السفينة ، وكسروا جرار الخمر وأراقوها .

وبلغ ذلك البساسيري ، فعظم عليه ، ونسبه إلى رئيس الرؤساء ، وتجددت الوحشة ، فكتب فتاوى أخذ فيها خطوط الفقهاء الحنفية بأن الذي فعل من كسر الجرار [ وإراقة الخمر ] تعد غير واجب ، ( وهي ملك رجل نصراني ، لا يجوز ، وتردد القول في هذا المعنى ) ، فتأكدت الوحشة من الجانبين ، ووضع رئيس الرؤساء الأتراك البغداذيين على ثلب البساسيري والذم له ، ونسب كل ما يجري عليهم من نقض إليه ، فطمعوا فيه ، وسلكوا في هذا المعنى زيادة على ما أراد رئيس الرؤساء ، وتمادت الأيام إلى رمضان ، فحضروا دار الخليفة ، واستأذنوا في قصد دور البساسيري ونهبها ، فأذن لهم في ذلك ، فقصدوها ونهبوها وأحرقوها ، ونكلوا بنسائه وأهله ونوابه ، ونهبوا دوابه وجميع ما يملكه ببغداذ .

[ ص: 125 ] وأطلق رئيس الرؤساء لسانه في البساسيري وذمه ، ونسبه إلى مكاتبة المستنصر ، صاحب مصر ، وأفسد الحال مع الخليفة إلى حد لا يرجى صلاحه ، وأرسل إلى الملك الرحيم يأمره بإبعاد البساسيري ، فأبعده ، وكانت هذه الحالة من أعظم الأسباب في ملك السلطان طغرلبك العراق ، وقبض الملك الرحيم ، وسيرد من ذلك ما تراه إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية