الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 25 ] الثانية : المنقول آحادا ، نحو : " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " ، حجة عندنا وعند أبي حنيفة ، خلافا للباقين . لنا : هو قرآن أو خبر ، وكلاهما يوجب العمل . قالوا : يحتمل أنه مذهب ، ثم نقله قرآنا خطأ ، إذ يجب على الرسول تبليغ الوحي إلى من يحصل بخبره العلم . قلنا : نسبة الصحابي رأيه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - كذب وافتراء لا يليق به ; فالظاهر صدق النسبة ، والخطأ المذكور إن سلم ، لا يضر ، إذ المطرح كونه قرآنا لا خبرا ، لما ذكرنا وهو كاف .

                التالي السابق


                المسألة " الثانية " : أي من مسائل الكتاب " المنقول آحادا ، نحو " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " ، وهي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه ، " حجة عندنا وعند أبي حنيفة ، خلافا للباقين " ، منهم مالك والشافعي .

                قوله : " لنا : هو قرآن أو خبر " ، إلى آخره ، أي : لنا على أن المنقول من القرآن آحادا حجة ، أنه دائر بين أن يكون قرآنا أو خبرا ، وكلاهما - أعني القرآن والخبر - يوجب العمل .

                أما الأول : فلأن الناقل جازم بالسماع من النبي - صلى الله عليه وسلم - فصدوره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إما على جهة تبليغ الوحي ; فيكون قرآنا ، أو على جهة تفسيره ; فيكون خبرا .

                وأما الثاني : وهو أن كليهما يوجب العمل ; فبالاتفاق ; فلزم من ذلك أن يكون المنقول من القرآن آحادا حجة .

                [ ص: 26 ] قوله : " قالوا : يحتمل أنه مذهب " إلى آخره . هذا دليل الخصم على أنه ليس بحجة ، وهو من وجهين :

                أحدهما : أن دورانه بين القرآن والخبر ليس حاصرا ، بل جاز أن يكون مذهبا للناقل ، ومذهبه ليس بحجة ; فقد دار ما نقله بين ما هو حجة ، وبين ما ليس بحجة ، ومع التردد في جواز الاحتجاج به لا يكون حجة ، استصحابا للحال فيه ، وهو عدم الاحتجاج به .

                الوجه الثاني : أن بتقدير الناقل له على أنه قرآن ، يكون خطأ منه على الرسول ، أو خطأ منه مطلقا في نفس الأمر ; لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجب عليه تبليغ الوحي إلى جماعة يحصل العلم بخبرهم ، ولا يخرج عن عهدة التبليغ بتبليغ الواحد ، وحينئذ نعلم قطعا أن هذا الناقل أخطأ على الرسول في نقله الآحاد على أنها قرآن ; لأنه نسب الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى ترك الواجب عليه .

                قوله : " قلنا : نسبة الصحابي رأيه " ، إلى آخره ، هذا جواب عن الوجهين اللذين ذكرهما الخصم .

                وتقريره أن كون الصحابي ينسب رأي نفسه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كذب من الصحابي ، وافتراء على النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث ينقل عنه ، ويقول ما لم يقل ، وذلك لا يليق نسبته إلى الصحابة ، مع تحريهم في الصدق عليه ، هذا جواب الوجه الأول للخصم .

                وقوله : " والخطأ المذكور إن سلم لا يضر " ، إلى آخره ، هذا الجواب

                [ ص: 27 ] الثاني ، وتقريره : أنا لو سلمنا أن نقل الصحابي له قرآنا خطأ ، لكنه لا يضرنا ; لأنه إنما يلزم منه أنه ليس بقرآن ، لا أنه ليس بخبر ، لما ذكرناه من عدالة الصحابة وتحريهم فيما ينقلونه ، وتنزههم عن الكذب ، خصوصا على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإذا ثبت أنه خبر مرفوع ، كان كافيا في العمل ، وهذا معنى قولنا : " إذ المطرح كونه قرآنا لا خبرا ، لما ذكرنا ، وهو كاف " .




                الخدمات العلمية