الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم ( 9 ) دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ( 10 ) )

قال أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) ، إن الذين صدقوا الله ورسوله ( وعملوا الصالحات ) ، وذلك العمل بطاعة الله والانتهاء إلى أمره ( يهديهم ربهم بإيمانهم ) ، يقول : يرشدهم ربهم بإيمانهم به إلى الجنة ، كما :

17558 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم ) بلغنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن المؤمن إذا خرج من قبره صور له عمله في صورة حسنة فيقول له : ما أنت ؟ فوالله إني لأراك امرأ صدق! فيقول : أنا عملك! فيكون له نورا وقائدا إلى الجنة . وأما الكافر إذا خرج من قبره صور له عمله في صورة سيئة وشارة سيئة [ ص: 28 ] فيقول : ما أنت ؟ فوالله إني لأراك امرأ سوء! فيقول : أنا عملك! فينطلق به حتى يدخله النار .

17559 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله : ( يهديهم ربهم بإيمانهم ) ، قال : يكون لهم نورا يمشون به .

17560 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

17561 - . . . . قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .

17562 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد مثله وقال ابن جريج : ( يهديهم ربهم بإيمانهم ) ، قال : يمثل له عمله في صورة حسنة وريح طيبة ، يعارض صاحبه ويبشره بكل خير ، فيقول له : من أنت ؟ فيقول : أنا عملك! فيجعل له نورا من بين يديه حتى يدخله الجنة ، فذلك قوله : ( يهديهم ربهم بإيمانهم ) . والكافر يمثل له عمله في صورة سيئة وريح منتنة ، فيلازم صاحبه ويلازه حتى يقذفه في النار .

وقال آخرون : معنى ذلك : بإيمانهم ، يهديهم ربهم لدينه . يقول : بتصديقهم هداهم .

ذكر من قال ذلك :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . [ ص: 29 ] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقوله : ( تجري من تحتهم الأنهار ) ، يقول : تجري من تحت هؤلاء المؤمنين الذين وصف جل ثناؤه صفتهم ، أنهار الجنة ( في جنات النعيم ) ، يقول في بساتين النعيم ، الذي نعم الله به أهل طاعته والإيمان به .

فإن قال قائل : وكيف قيل : ( تجري من تحتهم الأنهار ) ، وإنما وصف جل ثناؤه أنهار الجنة في سائر القرآن أنها تجري تحت الجنات ؟ وكيف يمكن الأنهار أن تجري من تحتهم ، إلا أن يكونوا فوق أرضها والأنهار تجري من تحت أرضها ؟ وليس ذلك من صفة أنهار الجنة ، لأن صفتها أنها تجري على وجه الأرض في غير أخاديد ؟

قيل : إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبت ، وإنما معنى ذلك : تجري من دونهم الأنهار إلى ما بين أيديهم في بساتين النعيم ، وذلك نظير قول الله : ( قد جعل ربك تحتك سريا ) [ سورة مريم : 24 ] . ومعلوم أنه لم يجعل " السري " تحتها وهي عليه قاعدة إذ كان " السري " هو الجدول وإنما عني به : جعل دونها : بين يديها ، وكما قال جل ثناؤه مخبرا عن قيل فرعون ، ( أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي ) ، [ سورة الزخرف : 51 ] ، بمعنى : من دوني ، بين يدي . [ ص: 30 ]

وأما قوله : ( دعواهم فيها سبحانك اللهم ) ، فإن معناه : دعاؤهم فيها : سبحانك اللهم ، كما :

17563 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرت أن قوله : ( دعواهم فيها سبحانك اللهم ) ، قال : إذا مر بهم الطير يشتهونه

قالوا : سبحانك اللهم! وذلك دعواهم ، فيأتيهم الملك بما اشتهوا ، فيسلم عليهم فيردون عليه ، فذلك قوله : ( وتحيتهم فيها سلام ) . قال : فإذا أكلوا حمدوا الله ربهم ، فذلك قوله : ( وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) .

17564 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : ( دعواهم فيها سبحانك اللهم ) ، يقول : ذلك قولهم فيها ( وتحيتهم فيها سلام ) .

17565 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عبيد الله الأشجعي قال : سمعت سفيان يقول : ( دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام ) ، قال : إذا أرادوا الشيء قالوا : " اللهم " ، فيأتيهم ما دعوا به .

وأما قوله : ( سبحانك اللهم ) ، فإن معناه : تنزيها لك يا رب ، مما أضاف إليك أهل الشرك بك ، من الكذب عليك والفرية .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

17566 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت أبي . [ ص: 31 ] عن غير واحد ، عطية فيهم : " سبحان الله " تنزيه لله .

17567 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا سفيان عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال : سمعت موسى بن طلحة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن " سبحان الله " قال : إبراء الله عن السوء .

17568 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب وخلاد بن أسلم قالوا : حدثنا ابن إدريس قال : حدثنا قابوس عن أبيه : أن ابن الكواء سأل عليا رضي الله عنه عن " سبحان الله " ، قال : كلمة رضيها الله لنفسه .

17569 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي قال : حدثنا أبو أسامة ، عن سفيان بن سعيد الثوري ، عن عثمان بن عبد الله بن موهب الطلحي عن موسى بن طلحة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن " سبحان الله " فقال : تنزيها لله عن السوء .

17570 - حدثني علي بن عيسى البزار قال : حدثنا عبيد الله بن محمد ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن حماد قال : حدثني حفص بن سليمان قال : حدثنا طلحة بن يحيى بن طلحة عن أبيه ، عن طلحة بن عبيد الله قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير " سبحان الله " ، فقال : هو تنزيه الله من كل سوء . [ ص: 32 ]

17571 - حدثني محمد بن عمرو بن تمام الكلبي قال : حدثنا سليمان بن أيوب قال : حدثني أبي ، عن جدي ، عن موسى بن طلحة عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله ، قول " سبحان الله " ؟ قال : تنزيه الله عن السوء .

( وتحيتهم ) ، يقول : وتحية بعضهم بعضا ( فيها سلام ) ، أي : سلمت وأمنت مما ابتلي به أهل النار .

والعرب تسمي الملك " التحية " ، ومنه قول عمرو بن معد يكرب :


أزور بها أبا قابوس حتى أنيخ على تحيته بجندي

[ ص: 33 ]

ومنه قول زهير بن جناب الكلبي :


من كل ما نال الفتى     قد نلته إلا التحيه



وقوله : ( وآخر دعواهم ) يقول : وآخر دعائهم ( أن الحمد لله رب العالمين ) ، يقول : وآخر دعائهم أن يقولوا : الحمد لله رب العالمين " ، ولذلك خففت " أن " ولم تشدد لأنه أريد بها الحكاية .

التالي السابق


الخدمات العلمية